” كان من المفترض أن تكونوا الآن مع الملا طلال.. ولكن..”، هكذا بقيت شاشة “Utv” صامتة خلال وقت عرض برنامج “مع ملا طلال”، أحد أشهر البرامج الحوارية في العراق، بعد يوم صاخب أُثير فيه الكثير من الضجيج والجدل. 

 

كل هذا بدأ عقب حلقة “جيشنا الباسل: بطولات وفساد”، التي أدى فيها الفنان إياد الطائي، دور “ضابط فاسد”، يتحدث عن ظاهرة الفضائيين في الجيش، الذين يتقاضون رواتب دون أن يكون لهم وجود فعلي بين صفوفه.

 

ورغم أنّ موضوع الحلقة لم يكن بدعا من خيال، بل سبق لرئيس الوزراء العراقي الأسبق “حيدر العبادي” أن تحدث، في نوفمبر2014، عن “وجود 50 ألف جندي فضائي في الجيش، يشكلون 4 فرق عسكرية”، كما أنّ الموضوع نفسه ظل على مدار سنوات -منذ سقوط الموصل بيد تنظيم داعش الإرهابي- حديث العراقيين، إلا أن ردود الفعل على حلقة البرنامج كانت سريعة ومجحفة لقناة UTV وللجمهور، الذي يحق له معرفة مكامن الفساد في العراق.

 

إذ سارعت وزارة الدفاع العراقية في اليوم التالي لبث الحلقة بإصدار بيان قالت فيه، إنّ الحلقة تعدّ “إساءة واضحة وصريحة للمؤسسة العسكرية ولكل منتسبيها، وأنّها لن ترضى أن يُساء إلى هذه المؤسسة التي يمتد تاريخها لـ (101) عام، قدّمت خلالها العديد من التضحيات والبطولات منذ تأسيسها في العام 1921 وإلى يومنا هذا”، كما اعتبرت “ظهور الممثل إياد الطائي بهذا المظهر غير اللائق وبرتبة عليا، هو انتحال واضح وصريح لصفة عسكرية وهذا يمنح الوزارة الحق بإقامة دعوى قضائية ضده”. 

وختمت الوزارة بيانها بالقول إنها “تحتفظ بحقها القانوني بالرد وسيتم اتخاذ كافة الإجراءات القانونية بحق المحطة ومقدم البرنامج والممثل الذي استُضيف فيها والذي انتحل صفة ضابط في الجيش وظهر بالبدلة العسكرية”.

 

عقب البيان، نفى الفنان إياد الطائي التهم الموجهة إليه، وقال في منشور على صفحته في فيسبوك:  “في برنامج (مع الملا طلال) يومياً على قناة Utv الفضائية، نسلط الضوء على الظواهر والنماذج السلبية في بلدنا، ومن باب أولى أن ننقد أنفسنا أولا”. وأضاف، أن “الحكومات المتعاقبة ليست سبب الفساد والخراب فقط، لكن أحيانا نكون نحن السبب؛ الصحفي، والضابط، والطبيب، وشيخ العشيرة……الخ”. 

 

وتابع الطائي، “على مدى أيام الشهر الفضيل سنطل يومياً بشكل درامي بشخصية تحكي عن نفسها وهي لاتمثل إلا بعضا من هذه الشريحة، غادرتهم الوطنية ولا ينظرون إلا لمصالحهم الضيقة للأسف”.

 

رغم ذلك، كان السيف قد سبق العذل، فقد أصدرت هيئة الإعلام والاتصالات قرارا بتعليق البرنامج، وحذف كافة فقراته من مواقع التواصل الاجتماعي، وأن البرنامج يسبّب خطراً على قطاعات الجيش العراقي وتماسكها في الميدان، لا سيما وأنّه جيش لا يزال يحارب عصابات داعش الإرهابية”، داعية في الوقت نفسه القناة ومقدم البرنامج “أحمد ملا طلال” إلى الاعتذار عن “الإساءة بحق الجيش ومنتسبيه”.

 

ورداً على قرار الهيئة، رفض الإعلامي أحمد ملا طلال الاعتذار. وقال في منشور على مواقع التواصل الاجتماعي: “تحرّشت بعش الدبابير، انتقلنا من مرحلة الفساد والفشل إلى مرحلة الفساد والفشل وتكميم الأفواه والدكتاتورية والقادم أسوأ، لن أعتذر عن كشف جزء من الحقيقة ولن أعتذر للفاسدين”.

من جهتها، أصدرت قناة “Utv”، بيانا مفصّلا نفت فيه التهم الموجهة إليها، وقالت إنّها مع اعترافها بضرورة “الإشارة إلى أنّ الفقرة مجرد مشهد تمثيلي، كما تقتضيه المعايير المهنية”، إلا أنّ قرار الهيئة كان تعسفيا ومجحفا بشكل غير مقبول لعدة أسباب ذكرها البيان، وهي:

– لقد أشارت الهيئة في كتابها إلى أنّ البرنامج أو في فقرة منه تضمّن تحريضا على العنف والكراهية، فضلاً عن عدم الدقة في نقل المعلومات، وهذا غير صحيح البتّة؛ فالفقرة المشار إليها هي فقرة ساخرة ناقدة، وتمثيلية غير واقعية، يؤديها ممثل عراقي معروف، غايتها التنبيه إلى مؤشرات سلوكية شائعة في الإدارة والقضايا العامة ، ولم تتضمن أي «تحريض على العنف أو الكراهية» ولا ما وُصف بـ«عدم الدقة في نقل المعلومات».

 

–  تحدثت المادة (ثانيا/1/ أ) عن عدم بث أو إعادة بث مواد تهدد أو تحتوي على تحريض مباشر أو غير مباشر ضد الأجهزة الوطنية كالجيش والشرطة والمؤسسات الأمنية بصنوفها كافة.ولا يمكن بأي حال من الأحوال تفسير المقطع الذي بثته قناة UTV على أنه خطاب تحريض! والمادة نفسها تتضمن نصًّا يقرر أنه «يحق لوسائل الإعلام نقل جميع وجهات النظر، بما فيها تلك التي تنتقد ممارسات أفراد من الجيش والشرطة أو تنتقد سياسات أمنية، حتى وإن كانت شديدة اللهجة، ما دامت تستند إلى وقائع ولا تحرض على العنف»، وهو تماما ما استندت إليه القناة في بثها المقطع موضوع البحث.

– لقد قررت اللائحة السابقة جملة من المعايير التي يجب أن تعتمدها الهيئة في معالجة مخالفات الأداء الإعلامي عند تقييم أداء أي جهة إعلامية مرخصة، والنظر في انتهاكها المعايير المهنية، وأن تأخذ الهيئة بعين الاعتبار  تلك المعايير وتعمل على مراجعتها. كما قررت اللائحة أنّ التوصل إلى قرار بالاعتماد على هذه العوامل ليس بالمهمة اليسيرة؛ فالخط الفاصل ما بين التعبير الخاضع للحماية وغير الخاضع لها يكون دقيقا للغاية ويصعب تحديده؛ لذا يجب دراسة كل تصريح بُثّ في السياق الذي قيل فيه. ومن الواضح أن القرار الذي اتخذ ضد القناة والبرنامج لم يلتزم تماما بهذه المعايير؛ بدليل سرعة اتخاذ القرار في اليوم نفسه الذي قُدمت فيه الشكوى.

– تشدد قناة UTV  على أنها تعمل وفق مبادئ الدستور العراقي الذي ضمن حرية التعبير عن الرأي، وأنها  حريصة دائما على ضمان معايير المهنية المطلوبة في عملنا.

 

وعقب الواقعة، توالت ردود الأفعال من إعلاميين وصحفيين عراقيين رافضين القرار، وقال الإعلامي أحمد البشير “مقدم برنامج “جمهورية البشير” الساخر، إنّ “انتقاد حالات مسيئة لا يعني الإساءة للمؤسسة كلها، هل علينا أن نعود لتبيان مفاهيم على مستوى الدراسة الابتدائية”؟!

بينما استذكر الباحث شاهو القره داغي، تصريحات سابقة لوزير الدفاع في تغريدة نشرها على موقع تويتر، قال فيها إن “إطلاق صاروخ أو اثنين لا يؤثر على هيبة الدولة ولكنه يزعج السفارات”، وأضاف القره داغي، “لماذا الآن ننزعج من حلقة في برنامج يتحدث عن الفساد الذي لا يستطيع أحد إنكاره؟ الصواريخ العشوائية لم تشكل إساءة للجيش؟”.

ولا يبدو أن سبب تعليق البرنامج مخالفة المعايير المهنية ولا التحريض على الكراهية، بل إنّ البرنامج مس الكثير من المصالح الشخصية لمسؤولين فاسدين متنفذين في الدولة، فلم يأت البرنامج بخبر حصري أو ملف خاف على أحد، وكل ما فعله أنه تجرّأ وفتح عيون المشاهدين وأنعش ذاكرتهم بظاهرة تنخر المال العام وتفتح ثغرات لمن يريد العبث بدماء الشعب، في مرحلة ساد فيها تكميم الأفواه، فهل أصبح مجرد فتح عيوننا محرماً أيضا؟