كشفت دراسة حديثة أجرتها جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو أن الاستخدام المكثف لمواقع التواصل الاجتماعي في سن الطفولة المبكرة قد يزيد من خطر الإصابة بالاكتئاب خلال سنوات المراهقة، ما يضيف دليلاً جديداً إلى الجدل الدائر حول آثار هذه المنصات على الصحة النفسية للشباب.

الدراسة التي شملت 11876 طفلاً أمريكياً تتراوح أعمارهم بين 9 و13 عاماً، تابعت تطور حالتهم النفسية وعاداتهم الرقمية على مدار ثلاث سنوات. وبيّنت النتائج أن الأطفال الذين استخدموا مواقع مثل “تيك توك” و”إنستغرام” بكثافة عند بلوغهم 12 و13 عاماً، سجلوا معدلات أعلى من أعراض الاكتئاب لاحقاً، بغض النظر عن حالتهم النفسية السابقة.

الاستخدام لا يتبع الاكتئاب بل يسبقه

وأوضح الباحثون أن الأطفال الذين ظهرت لديهم أعراض اكتئاب في سن التاسعة أو العاشرة، لم يكونوا أكثر ميلاً لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي عند سن الثالثة عشرة، ما يدحض النظرية القائلة بأن “الحزن” هو ما يدفع الأطفال نحو هذه المنصات.

وقال الدكتور جيسون ناغاتا، أخصائي طب الأطفال وقائد فريق البحث:

“تشير النتائج إلى وجود علاقة سببية محتملة، حيث يسبق الاستخدام المكثف للتواصل الاجتماعي ظهور أعراض الاكتئاب وليس العكس.”

وقت الشاشة يتضاعف… والتأثير النفسي واضح

ارتفع متوسط وقت استخدام الأطفال اليومي لمواقع التواصل من 7 دقائق فقط في سن 9 سنوات إلى أكثر من ساعة يومياً في سن 13 عاماً، وهو ما يسلط الضوء على التحول الكبير في العادات الرقمية في فترة قصيرة.

ويعتقد الباحثون أن عوامل مثل التنمر الإلكتروني وقلة النوم الناتجة عن الاستخدام الليلي قد تكون من الأسباب الرئيسية لهذا التأثير السلبي.

وتشير دراسات سابقة إلى أن الأطفال الذين يتعرضون للتنمر الإلكتروني في سن 11 و12 عاماً أكثر عرضة لمحاولة الانتحار بمعدل 2.5 مرة مقارنة بأقرانهم خلال عام واحد فقط.

دعوة لتوازن واقعي

وحذر الباحثون من أن هذه المنصات، رغم آثارها النفسية المحتملة، تظل الوسيلة الأساسية لتفاعل الأطفال مع أقرانهم، ما يجعل فرض قيود شديدة عليها أمراً صعباً.

وأضاف الدكتور ناغاتا:

“من غير الواقعي حظر الهواتف كلياً، لكن يمكن للآباء تبني نهج عملي كالتقليل من وقت الشاشة قبل النوم، وتخصيص أوقات خالية من التكنولوجيا، والتحدث مع أبنائهم بصراحة حول الاستخدام الرقمي.”

شكوك علمية وتحفظات منهجية

من جانبه، قال البروفيسور كريس فيرغسون، أستاذ علم النفس بجامعة ستيتسون في فلوريدا، إن العلاقة التي أظهرتها الدراسة ضعيفة إحصائياً، مشيراً إلى أن التأثير قد يكون “ضجيجاً إحصائياً” أكثر منه علاقة سببية واضحة.

وأقر فريق البحث بوجود قيود منهجية، منها الاعتماد على تقارير ذاتية من الأطفال حول سلوكياتهم الرقمية، وغياب تحليل تفصيلي حول نوع الجهاز المستخدم أو توقيت التفاعل مع المنصات.