أثارت تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي منذ ظهورها جدلاً واسع النطاق بشأن تأثيرها على التوظيف، ومستقبل أعمال الشركات في مختلف القطاعات، فضلاً عن مجالات التعليم وأخلاقياتها.

وبعد مرور بضع سنوات على إطلاق “أوبن إيه آي” تطبيق الدردشات المدعوم بالذكاء الاصطناعي “شات جي بي تي”، وعقب أزمة الوباء وتحول كثير من الدارسين لنظم التعلم الافتراضي، شهدت أنظمة التعليم والشركات العاملة في القطاع تغيرات كبيرة أثرت سلباً على أعمالها.

أحد الأمثلة على هذه الشركات هي “تشيج – Chegg” المتخصصة في مساعدة الطلاب على حل واجباتهم المدرسية، والتي كان ينظر إليها أيضاً على أنها بمثابة وسيلة للتحايل والسرقة العلمية.

نموذج العمل قبل ظهور الذكاء الاصطناعي

بدأت “تشيج” المدرجة في بورصة نيويورك كمنصة للمراسلات بين طلاب جامعة “أيوا”، وتطورت أعمالها خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين لتشمل خدمات تأجير الكتب، وفي العقد الثاني أصبحت تقدم مواد دراسية مساعدة، مثل الملخصات، ونماذج أسئلة للتدريب، والنصائح.

وبعد نمو أعمالها سريعاً بفضل نمط إدارتها على غرار الشركات التكنولوجية، بدأت “تشيج” في خسارة مشتركي منصتها من الباحثين عن إجابات معدة مسبقاً للواجبات المدرسية، والذين توجهوا لتطبيق “شات جي بي تي”.

كان الدافع وراء توجه الطلاب لتطبيق الذكاء الاصطناعي هو السرعة، ومجانية استخدامه، وعدم الشعور بالقلق تجاه توافر إجابات للأسئلة المرجوة.

أثر الذكاء الاصطناعي على أعمال تشيج

خسرت الشركة أكثر من نصف مليون مشترك منذ إطلاق “شات جي بي تي” كانوا يدفعون اشتراكاً شهرياً يصل إلى 19.95 دولار، وهبط سهمها بنسبة 99% منذ مطلع عام 2021 حتى وصل إلى 1.72 دولار في ختام جلسة الجمعة الماضية.

أدى ذلك إلى فقدان “تشيج” قرابة 14.5 مليار دولار من قيمتها السوقية حتى الآن، ورغم محاولاتها لإنشاء أدوات ذكاء اصطناعي خاصة بها، فإن تجاربها الأولية في هذا الصدد باءت بالفشل، ويشكك المستثمرون في قدرة الشركة على توليد ما يكفي من الإيرادات لسداد ديونها المتراكمة.

أظهر استطلاع لآراء طلاب الجامعات أجراه مصرف “نيدهام – Needham” الاستثماري، أن 30% من المشاركين يعتزمون استخدام خدمات “تشيج” في الفصل الدراسي الجاري، انخفاضاً من 38% في مسح آخر أجري بشأن الفصل الدراسي السابق.

وفي المقابل، يخطط 62% من الطلاب استخدام “شات جي بي تي” ارتفاعاً من 43% في الفصل الدراسي الماضي.

فوات الأوان

ناشد موظفو “تشيج” الشركة بتخصيص موارد لتطوير أدوات لأتمتة الإجابات بواسطة الذكاء الاصطناعي مع حلول عام 2022 بينما كانت الشركة تعاني في مواجهة تبعات الوباء، لكن الإدارة عارضت هذه المطالب في بداية الأمر.

وعقب إصدار “شات جي بي تي” بعد ذلك، ظن بعض الموظفين أن الشركة ليست معرضة للخطر لأن الذكاء الاصطناعي يميل إلى توليد إجابات خاطئة.

لكن في غضون فترة قصيرة من الزمن، أظهرت البيانات الداخلية للشركة أن الطلاب بدأوا يتجهون أكثر إلى “شات جي بي تي” لمساعدتهم في الدراسة، بل إن بعض الإجابات التي يوفرها نموذج “جي بي تي 4” حصلت على درجات أعلى في نظام التقييم الخاص بـ “تشيج”.

محاولة أخيرة للتطوير

كان “دان روزنسويج” الرئيس التنفيذي للشركة  – في ذلك الوقت – التقى “سام ألتمان” الذي يقود “أوبن إيه آي”، واتفقا على تطوير خدمة مدعومة بالذكاء الاصكناعي تدعى “تشيجميت” اعتماداً على قاعدة بيانات “تشيج” ونموذج “جي بي تي 4”.

لكن مع بدء اختبارات الخدمة الجديدة، قال “روزنسويج” خلال حدث للإعلان عن نتائج الأعمال الفصلية، إن “شات جي بي تي” بدأ بالفعل في سحب قاعدة عملاء الشركة، ما دفع “تشيج” للتخلي عن مستهدفاتها المالية للعام بأكمله، وأدى إلى هبوط سهمها 48% في جلسة واحدة فقط.

وخلال الإعلان عن نتائج أعمال الربع التالي، ذكر “روزنسويج” أن أداة الذكاء الاصطناعي الخاصة بالشركة لن يطلق عليها اسم “تشيجميت” بعد ذلك، وكشف عن شراكة مع شركة ناشئة تدعى “سكيل إيه آي” لتطوير أداة جديدة مدعومة بأكثر من 20 نموذجا للذكاء الاصطناعي مصمما لتخصصات أكاديمية مختلفة.

قالت “تشيج” إن 91% من المستخدمين راضون عن أداة الذكاء الاصطناعي الجديدة، وإنها باتت تستهدف الطلاب الذين يبحثون عن خدمات تتعدى الإجابات المجانية التي تقدمها برامج الدردشة الآلية مثل الاستشارات.

الآفاق المستقبلية

تنحى ” روزنسويج” عن منصب الرئيس التنفيذي للشركة في يونيو الماضي إثر هبوط قيمة السهم بعد أكثر من عقد من الزمن على توليه قيادة “تشيج”، وتولى “ناثان شولتز” المنصب بعده، وقرر تسريح قرابة ربع الموظفين أو 441 عاملاً.

حول “شولتز” تركيز الشركة نحو التوسع الدولي، وتنويع خدماتها للطلاب، ويخطط لاستهداف ما يطلق عليه مصطلح “المتعلم الفضولي”.

ورغم ارتفاع نسبة رضا المستخدمين عن الخدمات الجديدة المدعومة بالذكاء الاصططناعي التي توفرها الشركة، انخفضت إيرادات “تشيج” بنسبة 11% على أساس سنوي في الربع الثاني من العام الجاري، وتعد هذه أعمق وتيرة للانخفاض منذ عام 2017.

فضلاً عن انخفاض إيرادات الربع الثالث من عام 2024 بنسبة 13.5% على أساس سنوي إلى 136.6 مليون دولار حسبما ورد في التقرير المالي للشركة.

وعلاوة على ذلك، قالت “تشيج” في التقرير إنها تعتزم تسريح مجموعة أخرى من الموظفين تعادل 21% من قواها العاملة بهدف خفض التكاليف ضمن جهودها لإعادة الهيكلة.

وحول مخطط إعادة الهيكلة، ذكر “شولتز” أن الشركة بات لديها خارطة طريق لدمج الذكاء الاصطناعي في أعمالها وفق التصور الصحيح من وجهة نظرها، وأن هذه الجهود قيد التنفيذ.