في حين ينصب تركيز أغلب دول العالم على الرد العسكري الإسرائيلي على هجمات حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في السابع من أكتوبر تشرين الأول 2023 والدمار الناجم عنه، طغت صدمة ذلك اليوم على حياة الإسرائيليين في العام المنصرم.

ويوصف هجوم حماس بأنه أسوأ كارثة في تاريخ إسرائيل، وأحدث صدمة في البلاد بسبب إخفاق جيشها الذي طالما افتخرت به في حماية شعبها.

وقال هين مازيج من معهد تل أبيب، وهو مؤسسة مناصرة لإسرائيل “أعتقد أن إسرائيل دولة ما زالت في حالة حزن، ولا أعتقد أنها استطاعت تجاوز الحزن والتعامل مع ما حدث في السابع من أكتوبر”.

فخلال ذلك اليوم قتل مسلحون من حماس نحو 1200 شخص خلال هجوم مباغت على بلدات في جنوب إسرائيل، واقتادوا أكثر من 250 شخصا رهائن إلى غزة، وفقا لأرقام إسرائيلية، وهي أكبر خسارة في الأرواح في يوم واحد لليهود منذ محرقة النازي.

وأدى رد إسرائيل، الذي يهدف إلى القضاء على حركة حماس، إلى إلحاق دمار هائل بقطاع غزة إضافة إلى مقتل ما يقرب من 42 ألفا وفقا لمسؤولي الصحة الفلسطينيين. وتسبب أيضا في نزوح كل سكان القطاع تقريبا والبالغ عددهم 2.3 مليون شخص.

ومع حلول الذكرى السنوية الأولى للحرب، يواجه الإسرائيليون حربا أوسع نطاقا مع جماعة حزب الله اللبنانية المدعومة من إيران وربما مع إيران نفسها، التي أطلقت وابلا من الصواريخ على إسرائيل الأسبوع الماضي.

ورغم تزايد أعداد الإسرائيليين الذين يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة في الآونة الأخيرة، فإن هناك دعما واسع النطاق أيضا للحرب ضد حماس وحزب الله، الذي يقول الجيش الإسرائيلي إنه كان يخطط لشن هجوم في شمال إسرائيل على غرار هجوم السابع من أكتوبر تشرين الأول. وأظهر استطلاع للرأي أجراه معهد الديمقراطية الإسرائيلي الأسبوع الماضي أن نحو 80 بالمئة يرون أن الهجوم على حزب الله كان قرارا صائبا على الرغم من عدم انتهاء الحرب في غزة.

ولكن الإخفاق في إعادة الرهائن إلى ديارهم يظل جرحا لم يندمل. فقد اندلعت احتجاجات حاشدة تطالب الحكومة ببذل المزيد من الجهود لإعادتهم إلى ديارهم، وتزايدت الدعوات إلى وقف إطلاق النار في غزة، مع توجيه المتظاهرين انتقادات لاذعة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

ومع ذلك فإن صور معاناة الفلسطينيين في غزة تكاد تكون غائبة تماما عن شاشات التلفزيون، باستثناء لقطات صورها الجيش أو تقارير يبثها الصحفيون المرافقون للقوات الإسرائيلية.

وتكاد تكون هناك حقيقة غائبة أيضا، فبالنسبة للفلسطينيين فإن الدمار الذي لحق بغزة يعيد إلى أذهانهم صدمتهم التاريخية المتمثلة في فقدان أرضهم فيما يعرف باسم النكبة بعد الحرب التي اندلعت مع إعلان دولة إسرائيل في عام 1948.

ولذا ازدادات المواقف تشددا وساد إحساس بين الإسرائيليين والفلسطينيين بأنهم أصبحوا أكثر تباعدا من أي وقت مضى.

يقول أفيدا باشار، وهو مزارع من تجمع بئيري السكني فقد ساقه ورأى زوجته وابنه يموتان عندما هاجم مسلحون من حماس منزله قبل عام، إنه لا يوجد سوى حل واحد للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

أضاف أنه يجب نقل الفلسطينيين من غزة إلى أي دولة مستعدة لاستقبالهم حتى لا يتمكنوا من تهديد إسرائيل.

وتابع “ليس لدينا سوى خيار واحد لحل هذه المشكلة وهو نقلهم إلى دول اخرى ذات سيادة”.

 

* “لم يعد صديقك”

في إسرائيل، يمكن رؤية المدنيين المسلحين في كل مكان، وهم على أهبة الاستعداد لأي هجمات يشنها الفلسطينيون الذين يبارك الكثير منهم هجمات السابع من أكتوبر تشرين الأول.

يقول أبو يوسف (70 عاما) وهو فلسطيني من قرية كفر مندا الفلسطينية في شمال إسرائيل والذي اعتاد العمل مع الإسرائيليين في المزارع وفي أسواق الخضراوات إن كل شيء تغير بعد السابع من أكتوبر تشرين الأول.

وأضاف “اعتدنا أن يكون لدينا أصدقاء يهود، وكنا نسأل عن عائلات بعضنا بعضا. لكن الشخص الذي كان صديقك من قبل، لم يعد صديقك”.

وبالنسبة للإسرائيليين اليهود، تمثل أحداث السابع من أكتوبر تشرين الأول تداعيات وجودية، حيث أعادت إلى الأذهان المذابح التي شهدتها أوروبا في القرون الماضية، وكشفت عن الصراع من أجل البقاء الذي يشعر كثيرون أن بلادهم تواجهه ضد أعداء من جميع الجهات، مع قيام إيران بتحريك خيوط الصراع.

وقال أليكس كايدريكوف من تل أبيب “ثمة شعور بعدم وجود أمان في هذا المكان. أي شيء يمكن أن يحدث”. وأشار إلى أنه نجا بأعجوبة من هجوم نفذه مسلحان فلسطينيان الأسبوع الماضي وأدى إلى مقتل سبعة أشخاص، وذلك في اليوم الذي أطلقت فيه إيران وابلا من الصواريخ الباليستية على إسرائيل.

وقال “إنه أمر صادم ومربك، ولا يوجد شيء يمكننا القيام به حيال ذلك”.

وقد تفاقمت الصدمة بسبب الطريقة التي تحول بها التعاطف الأولي من جانب معظم دول العالم بعد هجوم السابع من أكتوبر تشرين الأول إلى إدانة للحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة.

وتواجه إسرائيل، التي تأسست في أعقاب محارق النازي، اتهامات بالإبادة الجماعية في محكمة العدل الدولية، وقد وُضع نتنياهو مع يحيى السنوار القيادي بحركة حماس، التي تصنفها العديد من الدول الغربية منظمة إرهابية، في طلب مقاضاة في المحكمة الجنائية الدولية لإصدار مذكرتي اعتقال بحقهما بتهمة ارتكاب جرائم حرب.

ويرفض نتنياهو الاتهامات بالإبادة الجماعية. كما رفض طلب الادعاء ووصفه بأنه “سخيف” وقال إنه موجه ضد إسرائيل بأكملها، وهو مثال على “معاداة جديدة للسامية”.

وبالنسبة لكثيرين في إسرائيل، فإن المزاج العالمي، الذي شهد زيادة كبيرة في الحوادث المعادية للسامية والإسلاموفوبيا، يعكس مزيجا من السذاجة الغربية والتلاعب المتعمد من قبل حماس والمتعاطفين معها. ولكن حتى الإسرائيليين الليبراليين يتأذون من الشعور بأن العالم تحول ضد بلدهم.

قالت معيان (37 عاما) وهي مديرة إنتاج من تل أبيب لم تذكر سوى اسمها الأول، إنها تتفهم الانزعاج من المعاناة في غزة. لكنها تشعر أن العديد من الاحتجاجات بدت تهدف إلى نزع الشرعية عن إسرائيل أو حتى التشكيك في حقها في الوجود.

وأضافت “في نهاية المطاف، أنا إسرائيلية. ليس لدي مكان آخر أذهب إليه… لذا أجد الأمر مؤلما بعض الشيء”.