كشفت “آبل” في مؤتمرها السنوي للمطورين “دبليو دبليو دي سي” الذي أقامته في حزيران الماضي عن خطتها لدمج الذكاء الاصطناعي مع هواتفها آيفون، بدءا من نظام “آي أو إس 18″، أي بعد طرح الجيل الجديد من هواتف آيفون الذي يحمل رقم 16.
بهذا الإعلان، انضمت آبل إلى سباق الذكاء الاصطناعي في الهواتف الذكية متأخرا، إذ سبقتها إليه “سامسونغ” و”غوغل بيكسل” في جيلين من الهواتف تقريبا، ولكن هذا لم يقلل من الترقب والانتظار لهذه المزايا الجديدة التي تصل إلى مختلف أجهزة آبل، وذلك لأن الشركة عُرفت بقدرتها على تقديم تقنيات قديمة في شكل مبتكر ومبهر.
أطلقت آبل اسما مميزا على تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تدمجها مع هواتفها، ودمجت بينها وبين اسم الشركة المميز، لتصبح المزايا الجديدة معروفة باسم “ذكاء آبل” (Apple Intelligence)، وهي تمثل منصة تتيح لمستخدمي هواتف آيفون الوصول إلى مجموعة من المزايا الجديدة المعززة بالذكاء الاصطناعي.
لذا لا يمكن القول بأن آبل تطلق نظام ذكاء اصطناعي جديدا أو نموذجا متكاملا منفصلا عن النماذج المعروفة حاليا، بل في الواقع، فإن آبل قررت التعاون مع “أوبن إيه آي” من أجل تقديم هذه المزايا، ويعني ذلك أن “ذكاء آبل” هو واجهة جديدة لاستخدام نسخة معززة ومحسنة من “شات جي بي تي” عبر جوالات آيفون بشكل مباشر، وذلك وفق إعلان الشركة في المؤتمر السابق.
لا يختلف هذا التوجه عن الذكاء الاصطناعي المستخدم في عديد من الجوالات، فبينما قررت “غوغل” أن تستخدم ذكاءها الاصطناعي الخاص “جيميناي” في هواتفها “بيكسل”، فإن “سامسونغ” قررت التعاون مع “شات جي بي تي” أيضا لدعم هواتفها بمزايا الذكاء الاصطناعي.
تقدم منصة “ذكاء آبل” عديدا من المزايا الفريدة التي تعزز من أداء التطبيقات الموجودة بالفعل في الهاتف عبر دمجها مع مزايا “شات جي بي تي” الفريدة، بدءا من توليد النصوص إلى توليد الصور ومعالجتها، وهي أيضا مزايا مماثلة لما نراه في بقية هواتف الذكاء الاصطناعي.
في قلب منصة آبل للذكاء الاصطناعي تتربع “سيري” (Siri) المساعد الصوتي الشهير لأنظمة الشركة المختلفة، إذ يحصل المساعد على تحسينات كاملة تشمل واجهة جديدة ومزايا معززة تستفيد من قدرات الذكاء الاصطناعي.
في البداية، أصبحت “سيري” مندمجة بشكل أكبر في نظام تشغيل آبل، ويعني هذا قدرتها على الوصول إلى جميع البيانات والمزايا الموجودة في التطبيقات الأخرى، فمثلا يمكنك أن تطلب منها كتابة رسالة لشخص ما وإرسالها في توقيت ما وتوليد النص الموجود في الرسالة وإرسالها عبر أكثر من منصة دون الحاجة إلى فتح هذه التطبيقات، أو أن تطلب منها تعديل صورة موجودة في مكتبة الصور ثم إرسالها إلى أحد الأشخاص عبر تطبيقات المراسلة بعد التعديل.
فضلا عن إمكانية الوصول إلى تقنيات “شات جي بي تي” مباشرة من خلال “سيري”، وهو الأمر الذي يمنحها فهما أوسع للغات المختلفة وقدرة أعلى في التجاوب مع الأوامر الصوتية الموجهة إليها، فمثلا يمكن طلب تلخيص الرسائل والمحادثات والاجتماعات مباشرة عبر الأوامر الصوتية الموجهة إلى “سيري”.
تحصل تطبيقات آبل الرسمية الأخرى على مزايا وتحسينات الذكاء الاصطناعي، فمثلا يحصل تطبيق الصور على مزايا تعديل الصور عبر آليات الذكاء الاصطناعي كما يحصل تطبيق المستندات على مزايا الكتابة من الذكاء الاصطناعي التوليدي، وكذلك تطبيق الرسائل والبريد الإلكتروني الذي يحصل على تغييرات كاملة.
وصول الذكاء الاصطناعي للهاتف وبالتبعية البيانات المخزنة فيه يثير مخاوف خبراء الخصوصية بسبب التوسع الكبير لهذه المزايا في قراءة النصوص والرسائل والصور، فضلا عن ادعاء آبل المستمر بأن هواتفها قادرة على حماية الخصوصية بشكل أفضل من المنافسين.
ومن أجل الإجابة على هذه المخاوف، وضحت آبل أن جميع عمليات الذكاء الاصطناعي التي تطلب وصولا إلى بيانات خاصة بالمستخدم ستتم عبر الهاتف بشكل مباشر دون الاعتماد على الخوادم السحابية لخدمات الذكاء الاصطناعي، وهو الأسلوب ذاته الذي تتبعه الشركة مع مزايا “سيري” منذ عدة أعوام.
لذا توزع الشركة مزايا الذكاء الاصطناعي بين نموذجين مختلفين، الأول وهو “سيري” التي تقوم بالمهام المعتادة المنوطة بها بشكل داخلي في الهاتف بمساعدة “شات جي بي تي” داخليا، والثاني هو مزايا لا يمكن لأنظمة “سيري” التعامل معها، ومن ثم تحتاج إلى استخدام خوادم “شات جي بي تي” بعد إخفاء بيانات المستخدم والحفاظ على سريتها.
لا يمكن التنبؤ بنتائج هذا النهج المبتكر من آبل قبل طرحه وتجربته رسميا من قبل خبراء الخصوصية، ولكن إن نجحت الشركة في القيام به، فإن هذا يمثل خطوة هامة لمعالجة أحد أكبر المخاوف المتعلقة بمزايا الذكاء الاصطناعي بشكل عام.
بالشكل المعتاد، يصل نظام “آي أو إس 18” إلى جميع أجهزة آيفون الداعمة له، والتي تبدأ عند “آيفون إكس آر” (XR) وحتى “آيفون 15 برو ماكس”، ولكن هذا لا يعني أن جميع هذه الأجهزة تحصل على مزايا الذكاء الاصطناعي.
بسبب المتطلبات المرتفعة لتشغيل مزايا الذكاء الاصطناعي وتشغيل مزايا “سيري” الجديدة، فإن الذكاء الاصطناعي سيكون حكرا على هواتف “آيفون 15 برو” و”آيفون 15 برو ماكس” فقط، مع إمكانية تشغيله على أجهزة “آيباد” التي تعمل بمعالج “إم 1” فما فوق وكذلك الحواسيب المحمولة والشخصية التي تستخدمه.
على الأرجح اختارت آبل الهواتف ذات المعالجات الأقوى القادرة على تشغيل مزايا الذكاء الاصطناعي، وربما يكون هناك جانب تسويقي لهذا الأمر أيضا، ولكن من الأكيد أن جميع الهواتف التي تصدر بدءا من “آيفون 16” تحصل على مزايا الذكاء الاصطناعي بشكل كامل.
رسميا، تصدر مزايا ذكاء آبل الاصطناعي مع نظام “آي أو إس 18” أي مع طرح هواتف “آيفون 16” في الأسواق، ولكن هذه المزايا لن تصدر كاملة في أيلول الجاري، إذ سيتأخر وصول بعض المزايا.
تبدأ المزايا الحقيقية للذكاء الاصطناعي بالصدور تدريجيا عبر مجموعة من التحديثات البرمجية المختلفة للنظام، وذلك على عادة التحديثات والمزايا الكبيرة التي تقدمها آبل باستمرار، وتصل أولى هذه المزايا في تحديث لنظام “آي أو إس” يصدر في تشرين الأول المقبل، على أن يليه تحديث آخر في كانون الأول يحمل بداخله مزايا “شات جي بي تي” ويدمجه مع النظام، وأخيرا تليه بعض مزايا الذكاء الاصطناعي التوليدي في الربع الأول من عام 2025.