فاز “شات جي بي تي” بشعبية جارفة منذ اللحظة الأولى التي ظهر فيها للعلن بفضل قدراته الواسعة على توليد النصوص من بضعة أسئلة توجه إليه، فضلا عن سرعة الاستجابة التي تشعرك كأنك تتحدث مع شخص حقيقي يجلس في الطرف المقابل من المحادثة.
هذه المزايا دفعت بعض المستخدمين إلى الاعتقاد بأن “شات جي بي تي” هو نموذج ذكاء اصطناعي خارق لا يملك أي نقاط ضعف، ولكن هذا الأمر أبعد ما يكون عن الحقيقة، إذ إن قدرات النموذج قاصرة في العديد من الجوانب المتنوعة. وفي ما يلي 5 نقاط ضعف تعبر عن أوجه القصور في “شات جي بي تي”.
1- الافتقار إلى الحس السليم
رغم أن “شات جي بي تي” يمتلك وصولًا واسعًا إلى تشكيلة كبيرة من المعلومات في مختلف القطاعات، فإن هذا لا يعني أن إجاباته دائمًا ما تكون صحيحة، ويعود السبب في ذلك إلى كونه معتمدًا على قواعد بيانات الإنترنت المفتوحة من أجل البحث عن الإجابات المناسبة وتقديمها، لذا يختلط الأمر في بعض الأحيان وتختلط المعلومات مع بعضها بعضا.
بالطبع حاولت “أوبن إيه آي” تخطّي هذا القصور في الإصدارات الحديثة من “شات جي بي تي”، إلا أنها تظهر بشكل عشوائي مع المستخدمين ولا يمكن توقع ظهورها، لذا لا ينصح بالاعتماد على “شات جي بي تي” أو أي نموذج ذكاء اصطناعي في المعلومات الدقيقة التي تتطلب خبراء مثل المعلومات الطبية أو السياسية الحديثة أو حتى أخذ النصح في المواقف الحياتية.
2- قيود على التعامل مع أكثر من أمر في وقت واحد
يستطيع “شات جي بي تي” استقبال عدد من المهام المختلفة خلال الرسالة الواحدة، إذ لا يوجد حاجز أمام هذا الأمر، ولكن النتيجة في العادة تكون مقتصرة على المهمة الأولى دون البقية، وكلما زاد تعقيد السؤال والمهام الخاصة به تكون النتيجة غير مرضية.
بالطبع، يمكن التغلب على هذا القيد بتفكيك المهام المعقدة إلى مهام أخرى صغيرة، وذلك بفضل قدرات “شات جي بي تي” على فهم تذكر الرسائل السابقة وإعادة استخدامها في الإجابة عن الأسئلة والتحديات الجديدة.
3- إجابات عنصرية
يعتمد “شات جي بي تي” اعتمادا مباشرا على مكتبة المعلومات المتاحة مجانا في الإنترنت، لذا ففي بعض الأحيان يطلق النموذج إجابات عنصرية أو منحازة لمصلحة طرف على حساب آخر، وذلك بناء على حجم المعلومات الموجودة في الإنترنت وما فهمه النموذج منها.
ويعني هذا أن “شات جي بي تي” لا يكوّن رأيًا منفصلًا بحد ذاته، بل يعتمد على آراء الأغلبية المنتشرة في الإنترنت، سواء كان في منصات التواصل الاجتماعي أو في المنتديات والمواقع. وبسبب غياب التنقيح عن المعلومات المدخلة إلى النموذج، فإن النتائج في بعض الأحيان تكون مسيئة وعنصرية.
4- وصول محدود إلى المعلومات
تفتقد خوارزميات “شات جي بي تي” القدرة على الوصول إلى المعلومات المتاحة بشكل فعلي عبر الإنترنت، لذا لا يمكنك سؤال النموذج عن نتائج مباراة حدثت أمس، وهذا لأن المعلومات المدخلة إلى النموذج جميعها قديمة.
لهذا لا يمكن الاعتماد المباشر على كل المعلومات التي يقدمها النموذج، فقد توجد معلومات أحدث منها ولا يستطيع “شات جي بي تي” الوصول إليها، وينطبق هذا الأمر على جميع نماذج “شات جي بي تي” ومنها النماذج المدفوعة، لأن معلوماتها تقتصر على أبريل/نيسان 2024.
وبينما يفتقر “شات جي بي تي” إلى هذا الأمر، فإن هناك نماذج أخرى قادرة على الوصول المباشر إلى المعلومات وتقديم المعلومات الحديثة، وفي مقدمة هذه النماذج يأتي “كلود 3” (Claude 3) المخصص للاستخدام في البحث العلمي وتوليد النصوص.
5- غياب الحس الإبداعي
يستطيع “شات جي بي تي” توليد العديد من المعلومات بسهولة مهما كانت المعلومات المدخلة إليه، ويمكنه في بعض الأحيان أن يقدم إجابات تبدو إبداعية. ولكن مع تكرار المهمة، تبدأ هذه الإجابات في التكرار، إذ يفتقر النموذج إلى القدرة على الإبداع بشكل واسع والتجديد في كل مرة يوجّه إليه سؤال مشابه لسؤال سابق.
يدرك كل من حاول استخدام “شات جي بي تي” في المهام الإبداعية هذا الأمر، إذ يبدأ في تكرار التراكيب اللغوية المختلفة وإعادة الجمل مع تغير كلمة أو كلمتين بما يتناسب مع كل سؤال. ورغم وجود بعض النماذج الأخرى القادرة على تقديم نتائج أفضل، فإن “شات جي بي تي” يفتقر إلى هذه النقطة.
وبدأت “أوبن إيه آي” حياتها كمبادرة غير ربحية تعتمد على التبرعات المباشرة من أجل تطوير أنظمتها و خوادمها قدر الإمكان. ولكن في المنتصف، قرر سام ألتمان الرئيس التنفيذي للشركة التحول إلى الربحية وبيع نموذج “شات جي بي تي” وتقديم نسخة مدفوعة للشركات والمستخدمين على حد سواء. وبينما تبدو هذه الخطوة إستراتيجية لكسب مزيد من الأموال والربح الشخصي، فإن عملية تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي بحد ذاتها مكلفةجدا فضلًا عن صيانتها والحفاظ على مستواها قدر الإمكان.
تنبع قدرات نماذج الذكاء الاصطناعي من الخوادم التي تستخدم لتشغيل النموذج، ومن ثم فكلما زادت قوة هذه الخوادم أصبحت نتائج الذكاء الاصطناعي أفضل وأكثر منطقية من غيرها، لذا تحاول الشركات العاملة في هذا القطاع الوصول إلى البطاقات الرسومية والمعالجات القوية والمميزة من أجل تقديم النتائج الأفضل في كل مرة يستخدم فيها النموذج.
وفي بعض الأحيان بفضل الضغط الكبير على خوادم الذكاء الاصطناعي، فإنها تخسر جزءًا كبيرًا من قوتها بسبب الأسئلة المتتالية التي توجه إليها، لذا كان الوصول إلى “شات جي بي تي” محدودًا في بداية حياته فضلًا عن الانتظار في الدور للدخول إلى النموذج، ولكن تمكنت “أوبن إيه آي” من حل هذا الأمر بعد استثمار “مايكروسوفت” الضخم فيها.
يختلف الأمر كثيرًا مع الشركات التي عمدت إلى تطوير نماذج ذكاء اصطناعي مدفوعة منذ اللحظة الأولى مثل “كلود 3” الذي طورته “آنثروبيك” وتستمر في تطويره باستمرار، وهو يعدّ بين أكثر أنظمة الذكاء الاصطناعي دقة وسرعة في الإجابة، فضلًا عن القدرة الإبداعية التي تتفوق على “شات جي بي تي”، وينطبق الأمر كذلك على “غوغل” التي تمتلك وصولًا واسعًا إلى خوادمها الخاصة التي تمثل أقوى الخوادم في العالم، وهذا يضمن لنماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها قدرات أعلى وأكثر دقة من “شات جي بي تي”.
تعمل “أوبن إيه آي” جاهدةً للتغلب على أوجه القصور هذه، ولكن في النهاية تقف الحواجز المالية وقصور الشرائح أمامها كحائط هائل عليها تخطّيه. وبينما يمثل تعاون الشركة مع “آبل” فرصة ذهبية لكسب الأموال من مستخدمي “آيفون”، إلا أنه ما زال أمامها الكثير حتى تستطيع منافسة الشركات التي بدأت ربحية منذ اللحظة الأولى.