لبنى سقط – العراق
تتذكر ناصرة ومضات سريعة من طفولتها عندما كانت هي نفسها أقصر من طاولة الخياطة، تقف هناك في قلب المشغل الصغير وتنظر إلى والدها المنهمك بخياطة الجلود وصنع أثواب منها لبيعها، تقول ناصرة: “كان زبائنه من مختلف الأديان والقوميات”.
ناصرة السقط، وهي امرأة عراقية مسيحية ساكنة في قضاء الحمدانية/قره قوش، تحاول إعادة إحياء الزي السرياني من خلال اهتمامها الكبير بموضوع الأزياء والتراث والفن وأهميته للأجيال الحالية والمقبلة.
لكل مكون في نينوى زيه الخاص الذي يميزه عن المكونات الأخرى، كالعربي والتركماني والسرياني والإيزيدي والكردي والشبكي، لكن هذه الأزياء أخذت تختفي تدريجياً، ولاسيما بعد أحداث عام 2014 حين احتل تنظيم داعش المحافظة، حتى بات ارتداؤها يقتصر على المناسبات الوطنية والدينية.
وتقول ناصرة إن “الزي يختلف من منطقة إلى أخرى، وكان يُلبس في مناسبات الأفراح والزواج فقط، لكنه في العقود الأخيرة أصبح أكثر انتشاراً، ويتم ارتداؤه والتزين به في المناسبات الوطنية والأعياد القومية إلى جانب مناسبات الأفراح والزواج”.
ناصرة متفائلة…فهي ترى أن صناعة الأزياء الشعبية بدأت تلاقي رواجاً في الوقت الحالي، وخصوصاً من لدن النساء والفتيات اللواتي يقمن بصناعة هذه الأزياء وتطريزها، فضلاً عن أزياء الرجال التي اقتصرت على المناسبات الدينية والوطنية.
وتتمنى السقط أن ترى أبناء مختلف الطوائف يرتدون أزياء بعضهم بعضاً طوعاً ومن دون ضغوط، لتقوية الأواصر المجتمعية بين المكونات في العراق.
الزي العربي
يقول الحاج علي، وهو واحد من أقدم خياطي الزي العربي في الموصل، إن “الأزياء الشعبية العربية في نينوى تأثرت ببلاد الشام، وخاصة حلب، نتيجة الاتصال الجغرافي والتبادل التجاري”.
كما هو الحال مع الزي السرياني، يعد الزي العربي التقليدي فولكلوراً أصيلاً هو الآخر في نينوى عموماً، والموصل بشكل خاص، وله محبوه من الفئات العمرية كافة.
ويوضح لنا الحاج علي: أن الزي العربي في الجنوب يختلف عما هو عليه في الشمال، ففي الشمال يتألف من السروال والدشداشة والزبون الذي يرتدى فوقها، أما بالنسبة لغطاء الرأس فإن الرجال يفضلون الشماغ الأحمر أو الغترة البيضاء.
الزي النسائي العربي، تبين حنان خالد، التي تقطن ناحية القيارة في نينوى، بأنه يتألف من العباءة السوداء التي توضع فوق الرأس، والشيلة أو العصابة أو الجرغد باللون الأسود أيضاً، وقد يتم تزيين الجرغد بليرات من الذهب أو القماش المزركش لإضفاء الجمالية والزينة على القطع الأساسية.
وفي الأفراح، يتم ارتداء دشداشات مزينة بالورود وفوقها حزام يسمى الصاية يصنع من قماش التول أو المشبك.
وبالنسبة للفتيات المتوسطات العمر، فيتم تزيين العصابة أو الجرغد بالخرز أو اللؤلؤ أو بليرات الذهب للميسورات.
الزي الكردي مزهوا بألوان الفرح
“إن أهم مناسبة بالنسبة لنا – نحن الكرد- هي عيد نوروز في 21 آذار من كل عام…اليوم الذي تحل فيه ذكرى تحررنا من الظلم، وفيه نرتدي الزي الكردي صغاراً وكباراً”. تقول حياة مسؤولة قسم النساء في مركز تنظيمات نينوى.
الزي التقليدي الكردي كان الزي اليومي للكرد في القرون الماضية، أما الآن فصار يرتدى في المناسبات، ومثلما يفتخر كل مكون بزيه التقليدي الفولكوري، كذلك الأمر بالنسبة للكرد الذين خصصوا العاشر من آذار من كل عام يوماً للزي الكردي.
وتلفت حياة إلى أن زي النساء الكرديات يدل على الطبيعة الخضراء الجميلة التي تحتوي على كل الألوان الزاهية.
ولقطع الملابس الكردية النسائية أسماء مثل الشلاحيات والصايات، وتصاميمها تختلف بين الزي الباديني والسوراني، حيث إن كل منطقة تتميز برموز معينة.
الزي التقليدي للإيزيديين
“إن الزي التقليدي هو أحد عناصر الهوية الإيزيدية، لذلك نرتديه في المناسبات الدينية والأعياد، بل حتى في المناسبات الشخصية والاجتماعية لدى الإيزيديين” تقول نيار سلام، وهي إيزيدية من ناحية بعشيقة في نينوى، مهتمة بالتراث والفنون التشكيلية والرسم، وتضيف نيار أن تراثهم الفولكلوري التقليدي بقي صامداً على الرغم من تعرض الإيزيديين لأكثر من 74 حملة إبادة جماعية على مر التاريخ.
وتختلف الأزياء الإيزيدية النسائية والرجالية فيما بينها بحسب الطبقات والعشائر داخل أتباع الديانة، كما يختلف الزي الإيزيدي من منطقة إلى أخرى، غير أن ما يميز الأزياء الإيزيدية على اختلاف تصاميمها هي ألوانها التي تعكس طبيعة جبال سنجار وسهل نينوى.
وللرداء الأبيض دلالات في الديانة الإيزيدية نابعة من ولادة الإنسان نقياً وفي داخله نوابع الخير والعطاء بفطرته من الله، أما الشر فيكتسب مع الوقت على الأرض من خلال سلوكياته، كما أن الجسد يعود إلى خالقه بالثوب الأبيض (الكفن)، ولهذا السبب يعتز الفرد الإيزيدي بردائه الأبيض.
ومن الأعياد التي يرتدي فيها الإيزيديون الأزياء التراثية عيد “رأس السنة” أو “الأربعاء الأحمر”، وهو من أقدس الأعياد في الديانة، ويحتفل الإيزيديون بهذا العيد في ثالث أربعاء من شهر نيسان، وكذلك في عيد مربعانية الصيف والشتاء، وعيد الجماعة أو الجما، وعيد القربان.
الزي الشبكي
مثل الكرد، كان الزي التقليدي الشبكي هو الزي اليومي للشبك في الأزمنة السابقة، أما الآن فلا يرتديه إلا عدد قليل منهم أثناء المهرجانات والمناسبات العامة، ولنعرف أكثر عن هذا الزي ، أجرينا مقابلة مع مروة حسين، وهي ناشطة مدنية من الأقلية الشبكية تسكن قرية المنارة التابعة لقضاء الحمدانية، وأخذتنا مروة في رحلة إلى التفاصيل…
يحتفظ الزي الشبكي بطابعه المميز، ومع ذلك، تقول مروة: “منذ تواجدنا في العراق الذي يعود إلى القرن الثامن عشر ميلادي …اكتسبنا من المكونات الأخرى واكتسبوا هم أيضا منا عادات وتقاليد ولغة وتفاصيل حياتية شتى من بينها الزي”.
الزي التركماني
يرى مرتضى مقداد، وهو تركماني في العقد الثالث من عمره، أن ارتداء الزي الفولكلوري لأبناء قوميته يقتصر حالياً على الأعياد مثل عيد الفطر وعيد الأضحى، وكذلك العيد القومي التركماني الذي يصادف 7 تشرين الأول من كل عام.
يقول مرتضى: “القصص التي نسمعها من أجدادنا عن العلاقات الاجتماعية في قريتنا ( قرية قريطاغ) التي تحدها عدة قرى يسكنها الشبك والعرب والكرد، هذه المكونات التي كنا نعيش معها وكأننا من عائلة واحدة مع احتفاظ كل منا بتقاليده الخاصة”
وفي الوقت الحالي، تمتهن النساء الكبيرات في نينوى خياطة الأزياء الفولكلورية التي قلّ الطلب عليها إلى حد ملحوظ، لذلك لم تتعلم الفتيات الشابات خياطتها.
يقول مرتضى إن “الجيل الحاضر يرى في الزي الشعبي التقليدي أسطوانة قديمة أكل عليها الزمن”، لافتاً إلى أهمية إقامة ندوات ومؤتمرات خاصة بشرح وتعريف ثقافات المكونات في العراق وأزيائها التراثية وطقوسها الدينية وتقاليدها.
بينما تكاد مروة لا تلاحظ وجود من يعمل في هذه المهنة حالياً، فالأزياء الفولكلورية أصبحت تُصنع تلبية لطلبات خاصة أو بواسطة بعض المصممين والمصممات.
وعلى الرغم تراجع هذه الصناعة وقلة الطلب عليها ، تواصل ناصرة السقط بإصرار الجلوس أمام ماكنة الخياطة لخياطة هذه الأزياء وحفظها من الاندثار وإنقاذها من الرقود في طي النسيان.