تحذيرات جديدة أطلقها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، بعد تسجيل الكرة الأرضية الصيف الأسخن على الإطلاق، فأكد أنّ مرحلة “الانهيار المناخي” قد بدأت بالفعل.

ما الذي يعنيه هذا المصطلح؟ كيف سيؤثر على عالمنا؟ وهل بإمكاننا التخفيف منه والعودة إلى المراحل السابقة؟

ما هو الانهيار المناخي؟

بما أنّ مصطلح الانهيار المناخي لا يزال حديثاً؛ فإنه لا يوجد له حتى الآن تعريف متفق عليه تماماً، فوفقاً لما ذكره موقع Poetic Earth Month فإنّ انهيار المناخ هو المصطلح الأحدث لما كان يُعرف سابقاً بالاحتباس الحراري، (أي إن متوسط ​​درجة حرارة الأرض مستمر في الارتفاع)، أو تغير المناخ (أي إن المناخ العالمي تغير بطريقة غير مسبوقة).

ولذلك أصبحت عبارة “انهيار المناخ” معياراً صحفياً من قبل الأمم المتحدة.

في حين يصف قاموس Cambridge الانهيار المناخي بأنه “تغييرات خطيرة وضارة للغاية في طقس العالم، لا سيما أنه يعتقد أنه أصبح أكثر دفئاً نتيجة للنشاط البشري الذي يزيد من مستوى ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي”.

ويلقي العلماء اللوم في تغير المناخ الذي يتسبب فيه الإنسان في ارتفاع درجات الحرارة باستمرار على حرق الفحم والنفط والغاز الطبيعي، مع دفعة إضافية من ظاهرة النينيو الطبيعية، وهي ارتفاع مؤقت في درجات الحرارة في أجزاء من المحيط الهادئ يغير الطقس في جميع أنحاء العالم.

عادة، تضيف ظاهرة النينيو، التي بدأت في وقت سابق من هذا العام، حرارة إضافية إلى درجات الحرارة العالمية، ولكن أكثر من ذلك في عامها الثاني.

Shutter Stock/ الانهيار المناخي
Shutter Stock/ الانهيار المناخي

كيف سيؤثر الانهيار المناخي على الأرض؟

في حين أشارت الأمم المتحدة إلى أنّ تأثيرات الانهيار المناخي قد تكون مدمرة، وآثاره تتضمن ما يلي:

  • ارتفاع درجات الحرارة وتفاقم التدهور البيئي.
  • ارتفاع مستويات سطح البحر، وفقدان الجليد القطبي، وموت الشعاب المرجانية.
  • الظواهر الجوية المتطرفة والكوارث الطبيعية واحتراق الغابات.
  • انعدام الأمن الغذائي والمائي.
  • الاضطراب الاقتصادي والصراعات والإرهاب.

وفي تقرير حديث لمجلة Forbes الأمريكية، فإنّ بعض التأثيرات التي سيسببها الانهيار المناخي لن يكون هناك رجعة فيها، حتى لو انخفض الاحتباس الحراري.

وقدم التقرير تفصيلاً لكل منطقة على حدة للمخاطر الرئيسية التي تتزايد نتيجة لارتفاع درجة حرارة العالم، مع تحديد المخاطر لكل قارة، بالإضافة إلى الجزر الصغيرة في العالم.

الولايات المتحدة وكندا

في أمريكا الشمالية، “حتى لو كان الاحتباس الحراري يقتصر على 1.5 درجة مئوية، فإن حياة الإنسان وسلامته وسبل عيشه، وخاصة في المناطق الساحلية، ستتعرض لخطر ارتفاع مستوى سطح البحر والعواصف الشديدة والأعاصير”، كما جاء في التقرير.

وقد أدى ارتفاع درجات الحرارة إلى زيادة معدل الوفيات والمرض بين البشر، ولكنه ألحق أيضاً ضرراً شديداً بالتنوع البيولوجي في القارة، حيث تعرض العديد من الأنواع الحيوانية والنباتية للتهديد والنزوح.

وتساهم نفس درجات الحرارة المرتفعة، إلى جانب سوء إدارة الأنهار ومصادر المياه، في ندرة المياه والجفاف في مساحات واسعة من أراضي أمريكا الشمالية.

ويتأثر النشاط الاقتصادي بشدة بالفعل بالأحداث المتطرفة مثل الفيضانات والحرائق، في حين أن إنتاج الغذاء معرض لخطر الانخفاض نتيجة للظروف المتغيرة.

ومن المتوقع أن تشهد المجتمعات الواقعة على السواحل والأنهار، وبالقرب منها زيادة في الفيضانات والتآكل، ما “يؤدي إلى نزوح الناس، والإضرار بالنشاط الاقتصادي، وتعطيل البنية التحتية للنقل والتجارة”.

كما ستعمل حرائق الغابات على تعريض الأرواح وسبل العيش والصحة العقلية والجسدية والممتلكات والبنية التحتية الرئيسية والأنشطة الاقتصادية للخطر بشكل متزايد، وتساهم في تعريض جودة الهواء للخطر وتلوث المياه البلدية، مع آثار متعددة على صحة الإنسان.

أفريقيا

ويشير التقرير إلى أن “أفريقيا ساهمت على الأقل في انبعاثات الغازات الدفيئة، ومع ذلك فقد تعرضت قطاعات التنمية الرئيسية بالفعل لخسائر وأضرار واسعة النطاق تعزى إلى تغير المناخ الناتج عن الأنشطة البشرية”.

والأهم من ذلك هو أن متوسط ​​العمر المتوقع في جميع أنحاء أفريقيا سيعاني بشكل كبير؛ يشير التقرير بشكل مؤكد إلى أنه عند ارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار 1.5 درجة مئوية، من المتوقع أن يزداد التوزيع والانتقال الموسمي للأمراض المنقولة بالنواقل، ما يعرض عشرات الملايين من الأشخاص الآخرين للخطر.

كما سيرتفع خطر الوفيات المرتبطة بالحرارة بشكل حاد، مع ما لا يقل عن 15 حالة وفاة إضافية لكل 100 ألف سنوياً في أجزاء كبيرة من أفريقيا.

ونتيجة لتغير المناخ، انخفض نمو الإنتاجية الزراعية منذ عام 1961 بنسبة 34% في جميع أنحاء القارة.

كما يمكن أن يتسبب في انقراض ما يقدر بنحو 7 إلى 18% من الأنواع الحيوانية والنباتية.

آسيا

وفي القارة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في العالم، تؤثر موجات الحر والجفاف والفيضانات بالفعل على الملايين.

وتساهم هذه التأثيرات المناخية، بالإضافة إلى التلوث الشديد للهواء والماء على نطاق واسع، في زيادة أمراض الدورة الدموية والجهاز التنفسي والسكري والأمراض المعدية ونقص التغذية والاضطرابات العقلية، ومن المتوقع أن ترتفع الوفيات المرتبطة بالحرارة.

وتشكل إمدادات المياه مصدر قلق كبيراً في أجزاء كبيرة من آسيا، حيث تواجه الأنهار مثل نهر السند والجانج، التي تزود مئات الملايين من البشر، “تحديات حادة لندرة المياه”.

ومن المتوقع أن يؤدي الاحتباس الحراري العالمي إلى زيادة مخاطر الجفاف في البلدان الآسيوية بنسبة 5% إلى 20% هذا القرن.

ويرتبط تهديد خاص في آسيا بالطلب على الطاقة؛ فارتفاع درجات الحرارة من شأنه أن يؤدي إلى زيادة الطلب على أنظمة التبريد مثل تكييف الهواء؛ وهذا بدوره سيؤدي إلى زيادة الطلب على الطاقة، في حين أن نقص المياه العذبة سيؤدي إلى تفاقم الطلب المتزايد من خلال الحاجة إلى تحلية إضافية وضخ المياه الجوفية.

ويقول التقرير: “من بين 13 دولة نامية ذات استهلاك كبير للطاقة في آسيا، هناك 11 دولة معرضة لانعدام أمن الطاقة بشكل كبير ومخاطر الأنظمة الصناعية”.

أستراليا

وفي أستراليا ونيوزيلندا، سيواجه السكان مجموعة متزايدة من التهديدات المناخية التي تهدد أمنهم وأسلوب حياتهم، من موجات الحر وحرائق الغابات إلى الفيضانات الشديدة.

وفي جنوب وشرق أستراليا وشمال وشرق نيوزيلندا، “من المتوقع أن يكون الطقس شديد الحرائق، مع زيادة حالات الجفاف”.

وفي الوقت نفسه، من المتوقع أيضاً أن تزداد كثافة هطول الأمطار الغزيرة.

أمريكا الوسطى والجنوبية

ووفقاً للتقرير، فإن عدم المساواة والفقر والكثافة السكانية المرتفعة تجعل دول أمريكا الوسطى والجنوبية معرضة بشكل خاص لتغير المناخ.

وتتأثر النظم الطبيعية والبشرية بالفعل بزيادة وشدة حالات الجفاف في بعض المناطق، ما يضر بإمدادات المياه، ويؤثر على “الإنتاج الزراعي وصيد الأسماك التقليدي والأمن الغذائي وصحة الإنسان”.

وكانت إزالة الغابات والاستخدام البشري للأراضي في مناطق مثل الأمازون تتسبب في فقدان التنوع البيولوجي بسرعة.

ويشير التقرير إلى أن الضعف في دول أمريكا الوسطى والجنوبية يتفاقم بسبب “المؤسسات السياسية والحكومية غير المستقرة التي تعاني من الفساد وضعف الإدارة وانخفاض القدرة على تمويل التكيف”.

ومن بين الآثار الأخرى، أن ضعف الإدارة يعني أن الأحداث المناخية تؤثر بشدة على إمدادات المياه في المناطق الحضرية والبنية التحتية للصرف والصرف الصحي في جميع أنحاء المنطقة.

ويتوقع التقرير أن يتفاعل تغير المناخ بشكل أكبر مع العوامل السياسية والاقتصادية للتسبب في نزوح الناس على نطاق واسع، ما يؤدي إلى هجرة جماعية في جميع أنحاء المنطقة.

أوروبا

وعلى الرغم من كونها منطقة غنية نسبياً، فإن أوروبا لن تفلت من التأثيرات الشديدة الناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة، وسوف تواجه جنوب أوروبا على وجه الخصوص الأضرار الناجمة عن موجات الحر الشديدة والجفاف، في حين “من المتوقع حدوث خسائر كبيرة في الإنتاج الزراعي في معظم المناطق الأوروبية خلال القرن الحادي والعشرين”.

ويقول التقرير إنه عند ارتفاع درجة الحرارة بمقدار 3 درجات مئوية (5.4 فهرنهايت)، “سيزداد عدد الوفيات والأشخاص المعرضين لخطر الإجهاد الحراري بمقدار ضعفين إلى ثلاثة أضعاف مقارنة بـ1.5 درجة مئوية”.

أما بالنسبة لمخاطر الحرائق، فمن المتوقع أن تتوسع المناطق المعرضة للحرائق في جميع أنحاء أوروبا، ما يهدد التنوع البيولوجي ومصارف الكربون، مثل الغابات.

وفي حين أن بعض المناطق ستكون أكثر عرضة للجفاف، فإن مناطق أخرى ستشهد فيضانات شديدة متكررة أكثر، وقد شوهدت مؤشرات مبكرة على ذلك في العديد من الدول الأوروبية في عام 2021.

وفي المناطق الساحلية، “يمثل ارتفاع مستوى سطح البحر تهديدًا وجودياً للمجتمعات الساحلية وتراثها الثقافي”، “لا سيما بعد عام 2100″، مع ارتفاع أضرار الفيضانات الساحلية “ما لا يقل عن 10 أضعاف”.

الجزر الصغيرة

خارج نطاق اليابسة الرئيسية، تعد الجزر الصغيرة في العالم موطناً لحوالي 65 مليون شخص، وهي معرضة بشكل خاص للتغيرات في مناخ العالم.

ويقول التقرير إن هذه الجزر تواجه “نسبة أكبر من الأعاصير المدارية الأكثر شدة، والعواصف، والجفاف، وتغير أنماط هطول الأمطار، وارتفاع مستوى سطح البحر، وابيضاض المرجان، والأنواع الغازية”.

وبحلول عام 2050، من المتوقع أن يتراوح ارتفاع مستوى سطح البحر الذي يؤثر على الجزر بين 7-9 بوصات و6-16 بوصة.

سيؤدي هذا إلى مضاعفة وتيرة الفيضانات في المحيط الهندي والجزر الاستوائية في المحيط الهادئ، في حين أن “الأعاصير المدارية ستظل المحرك الرئيسي للفيضانات (النادرة) في البحر الكاريبي وجنوب المحيط الهادئ الاستوائي”.

ومع ارتفاع نسبة سكان الجزر الذين يعيشون على ارتفاع أقل من 10 أمتار فوق مستوى سطح البحر، ومع تعرض العديد من سبل العيش المرتبطة بالنظم الإيكولوجية للتهديد، فإن ارتفاع منسوب سطح البحر واشتداد العواصف يضر بالفعل بالبنية التحتية للجزر الصغيرة، وصحة الإنسان ورفاهيته، والأمن المائي والغذائي، والاقتصادات والثقافة، كما تقول الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.

هل من حلول لمعالجة الانهيار المناخي؟

بحسب تقرير حديث صادر عن الأمم المتحدة، أكد أن العالم بدأ بالفعل يعاني أثيرات مناخية متعددة، من الجفاف والفيضانات إلى فقدان التنوع البيولوجي وانخفاض إنتاج الغذاء. ويحذر المؤلفون من أن ما بين 3.3 إلى 3.6 مليار شخص يعيشون في مناطق “معرضة بشدة لتغير المناخ”، مع “مخاطر شديدة إضافية” إذا ارتفعت حرارة الأرض إلى ما يزيد عن 1.5 درجة مئوية (2.7 درجة فهرنهايت).

وأكد التقرير أيضاً أنّ بعض هذه التأثيرات الناتجة عن الانهيار المناخي لا رجعة فيها، حتى لو  انخفض الاحتباس الحراري العالمي.

وأضاف أن الأضرار الناجمة عن الانهيار المناخي تتجاوز مجرد الحرائق والفيضانات.

تحذيرات الأمين العام للأمم المتحدة

بدوره كان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، قد حذر مطلع سبتمبر/أيلول 2023 من أن “انهيار المناخ” قد بدأ وبوتيرة أسرع من القدرة على مواجهته، مناشداً قادة العالم اتخاذ الإجراءات اللازمة بعد تسجيل الصيف الأسخن على الإطلاق.

وأضاف جوتيريش في خطاب تاريخي ألقاه في نيودلهي، عاصمة الهند التي ترأس مجموعة العشرين، أن أزمة المناخ تتفاقم بشدة، لكن الاستجابة الجماعية تفتقر إلى الطموح والمصداقية والإلحاح، طالباً من مجموعة العشرين الالتزام بالحفاظ على “هدف 1.5 درجة قائماً”، وفقاً لما ذكرته وكالة أنباء الأناضول التركية.

في إشارة إلى هدف اتفاق باريس لعام 2015 المتمثل في السعي لتقييد ارتفاع متوسط ​​درجة حرارة الكوكب عند أقل بكثير من درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الصناعة، وألا يتجاوز هذا الارتفاع 1.5 درجة مئوية.

وكانت خدمة كوبرنيكوس لتغير المناخ (C3S) التابعة للاتحاد الأوروبي قد قالت في تقرير إن متوسط ​​درجة الحرارة العالمية في يونيو/حزيران ويوليو/تموز وأغسطس/آب بلغ 16.77 درجة مئوية (62.19 درجة فهرنهايت)، محطماً الرقم القياسي السابق لعام 2019 البالغ 16.48 درجة مئوية.

هل ما حصل في ليبيا متعلق بالانهيار المناخي؟

صحيفة Financial Times البريطانية كانت قد كشفت في تقرير خاص أسباب كارثة فيضانات ليبيا، وهبوب العاصفة دانيال بهذه القوة، قائلة إن التغيرات المناخية وارتفاع حرارة المحيطات وراء وقوع الكارثة.

ونقل التقرير، عن علماء في المناخ قولهم إن الفيضانات الكارثية في ليبيا بسبب العاصفة دانيال نتجت عن إعصار “ميديكين”، وهو شبه إعصار متوسطي، والذي يمكن أن يمتد فوق البحر الأبيض المتوسط والبحر الأيوني وساحل شمال أفريقيا.

وقال الخبراء إن ظاهرة إعصار ميديكن نادرة نسبياً، إذ تحدث مرة إلى ثلاث مرات في السنة، ولكنها يمكن أن تؤدي إلى فيضانات مدمرة وعواصف ورياح قوية.

وتنتج هذه الظاهرة عن ارتفاع درجات الحرارة في شرق المحيط الأطلسي وشرق البحر المتوسط بمقدار 2-3 درجات مئوية عن المعتاد، ما يؤدي إلى عواصف مصحوبة بهطول أمطار غزيرة.

وأودت العاصفة دانيال بحياة الآلاف هذا الأسبوع عندما ضربت ليبيا وأجزاءً من اليونان وبلغاريا وتركيا، وتسببت في انهيار السدود في مدينة درنة الساحلية.

وكان آلاف المحتجين، قد تجمعوا الأحد 17 سبتمبر/أيلول في أسبوع المناخ في شوارع منطقة ميدتاون بحي مانهاتن في نيويورك، قبيل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الأسبوع، مطالبين الرئيس الأمريكي، جو بايدن، وزعماء العالم بالتوقف عن استخدام الوقود الأحفوري.

قد يهمك أيضاً: البعض يظنهما مترادفين، لكن لهما معنيان مختلفان.. الفارق بين الاحتباس الحراري والتغير المناخي