UTV – الأنبار الموصل البصرة
في منتصف ثمانينيات القرن المنصرم، عندما غمرت مياه سد حديثة منارة مدينة «عنة» التي تعود إلى العصر العباسي، استعان العراق بخبرات هذا الرجل المهندس مصطفى المرشدي لنقل المعلم الأثري المهمّ وعدم التفريط به.
تقع المنارة فوق جزيرة على نهر الفرات وتحيط بها المياه.. المهمة كانت معقدة وتطلب الأمر استخدام قوارب لنقلها الى مدينة «عنة» الجديدة.
مهندس نقل منارة «عنة» مصطفى المرشدي يقول، “هذه التجربة خضناها بالثمانينيات، وكانت المنارة وقتها في وسط النهر، ونقلت إلى الجانب الأيمن، وكان هذا ضمن برنامج لتقطيع ونقل المنارة من الضفة لمسافة حوالي 15 كيلو متر بعدم وجود أي طريق إلى مكانها الجديد ونصبها في مكانها”.
عام 2006 هدمت منارة عنة من قبل المجاميع المسلحة آنذاك، وبعد إعادة بنائها تعرضت مرة أخرى على يد “داعش” لتفجير آخر حوّلها إلى ركام، أما الآن وبعد محاولات طمس هويتها تعود مجددا بذات التصميم وتلك الأحجار، عالية في سماء الأنبار.
منارة الحدباء، كانت واحدة من المنائر والأبراج المائلة والنادرة في العالم.. مثل برج بيزا المائل في إيطاليا.. كان ذلك حتى سقوطها عام 2017، خلال معارك استعادة الموصل من “داعش”.
لم يكن سقوط منارة الحدباء الأخير على يد الإرهاب هو الأول، بل سبقه قبل ذلك تضرر أجزاء كبيرة منها خلال ثمانينيات القرن الماضي، لكنّ أعمالا ترميمية جرت على أسسها حافظت على المنارة التي يعود عمرها الى 850 عاما.
مدير مفتشية آثار وتراث نينوى خير الدين أحمد يقول، “مرت منارة الحدباء بعدة مراحل صيانة عبر الأزمنة الماضية، وهذه المرة الأولى اللي يتم تدميرها وتفجيرها بشكل كامل جرت عليها أعمال صيانة نتيجة انهيار بعض أجزاء من الطابوق في جسم المنارة عبر التاريخ”.
في عام 2019 تبنّت دولة الإمارات إعادة إعمار منارة الحدباء والجامع النوري بالتعاون مع منظمة اليونسكو بمدة تتجاوز 5 أعوام باستخدام ذات الحجارة وبالارتفاع نفسه البالغ 55 مترا.
انتهى الجدل بشأن منارة جامع السراجي التاريخية بهدمها، توسّع الشارع الذي كان يمرّ بها، لكنّ البصرة فقدت بإزالتها ذاكرة وإرثا عمره 300 عام، أي قبل حتى تأسيس الولايات المتحدة الأميركية وكندا، بل هي أقدم من برج إيفل في فرنسا وساعة بگبن في بريطانيا.
كأنّ حلول الهندسة عجزت عن إيجاد طريقة أفضل لنقل المنارة التاريخية بدلا من هدمها بدعوى عرقلة حركة المرور، فهي ليست ملكا لديوان أوقاف أو محافظة حتى يتمّ المساس بها، بل ملكا لتاريخ حضارة العراق الضاربة في القدم، هذا ما يقوله مهتمون بالتراث، ويرون أنه كان حريّا بالحكومة أن تجزّئها وترقمها وتنقلها الى مكانها الجديد مع الحفاظ على طرازها القديم.
الأكاديمي عباس الجميلي يقول، “اعترض على طريقة الهدم لأن هذا البيت ليس عاديا، فهو مسجد معروف وصلينا فيه، كان يفترض أن تتم العملية بهدوء المنارة تقص وتغلف ونحافظ على طريقة تصميمها بما في ذلك الكاشي الكربلائي ذي اللون الفيروزي ومن ثم إعادة بناء المنارة من جديد بعيدا عن الاثارة، لأن نحن في العراق لسنا بحاجة إلى فتن جديدة، علما أن القضية لا علاقة لها بأي حس طائفي أو بغيضة طائفية أبدا.
وبعد موجة الغضب والانتقادات التي أثارتها عملية هدم منارة جامع السراجي الأثرية، تعالت المطالب باتخاذ إجراءات قانونية بحق من يلحق الضرر بالإرث الديني والتاريخي في العراق.
تقرير مشترك: نبيل عزامي وقاسم الزيدي وسعد قصي