دخلت هذه المرأة على هارون الرشيد ومعه جمع غفير من العلماء والبلغاء والخطباء والفصحاء، فحيته بقولها: “السلام عليك أيها الأمير يا من حكمت فقسطت، أتم الله نعمتك، وأقر عينك، وفرحك بما آتاك”.

فرد عليها؛ وعليك السلام، من تكونين يا هذه؟

فقالت: أنا من الذين قتلت رجالهم ونهبت أموالهم وسلبت نوالهم.

قال: أما رجالهم فقد نفذ فيهم حكم الله وجرى عليهم قدره، وأما المال فمردود إليك.

ثم التفت هارون الرشيد إلى جلسائه سائلا: أفهمتم ما قالت؟

فأجابوه: ما نراها قالت إلا خيرا.

قال: أما قولها: يا من حكمت فقسطت، فأخذته من قول الله تعالى: (وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا” (سورة الجن: الآية 15).

وأما قولها: أتم الله نعمتك، فأخذته من قول الشاعر
إذا تمّ أمر بدا نقصه      ترقب زوالا إذا قيل تم

وأما قولها: أقرّ الله عينك: فمعناه سكّنها والعين إذا سكنت عمي صاحبها.

وأما قولها: وفرحك بما آتاك، فأخذته من قول الله تعالى “حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ” (سورة الأنعام/ من الآية 44).

فاندهش الحاضرون لقدرة المرأة على التورية وفهم الخليفة لما أضمرت.