كانت معركة بافيا (The Battle of Pavia)، التي دارت بين فرنسا وإسبانيا سنة 1525، من أجل السيطرة على شبه الجزيرة الإيطالية جزءاً من الحروب الإيطالية التي اندلعت ما بين عام 1494 و1559، فرصةً لوضع الدولة العثمانية موطئ قدمٍ لها في فرنسا، فبعد الهزيمة المذلة للملك الفرنسي فرانسوا الأوّل في تلك المعركة التي سيق فيها أسيراً، لم يجد الفرنسيون بداً من التحالف مع السلطان سليمان القانوني من أجل حماية فرنسا من سطوة جيرانها الإسبان والإيطاليين.
معركة بافيا.. حين هزمت إسبانيا الفرنسيين على أرضٍ إيطالية
وفقاً لموقع warfare history network، كان انتخاب تشارلز الأول ملك إسبانيا إمبراطوراً رومانياً مقدساً على الملك فرانسوا الأول ملك فرنسا، وذلك بعد وفاة الإمبراطور ماكسيميليان الأول في عام 1519، السبب المباشر في اندلاع معركة بافيا.
إذ شكل ذلك الانتخاب تهديداً الفرنسيين، حيث أصبحت فرنسا حينها محاطة من الشمال والشرق والجنوب بأراضي هابسبورغ.
مع ذلك، حاولت إنجلترا في عام 1521 التوسط في النزاع لكن دون جدوى، وبدأت فرنسا في إعداد نفسها لخوض الحرب.
شنت الجيوش الفرنسية في البداية هجومين ضد هابسبورغ في الأراضي الإمبراطورية، لكنهم فشلوا في تحقيق أهدافهم.
في عام 1523، غزت إنجلترا فرنسا، وهي المناسبة التي قرر من خلالها الدوق تشارلز دي بوربون خيانة ملك فرنسا والتحالف مع الجيش الإمبراطوري.
في عام 1524، بعد محاولة فرانسيس غزو إيطاليا دون جدوى، غزا بوربون بروفانس وأخذ لقب كونت بروفانس، وكانت تلك سببٌ آخر دفع فرانسيس الأول إلى غزو إيطاليا مرةً أخرى، ففي عام 1525، أطلق الملك الفرنسي حملة عسكرية لغزو شمال إيطاليا، وبالفعل نجحوا في الوصول إلى ميلانو.
نجح الجيش الفرنسي في تلك الحملة بقيادة الملك فرانسيس الأول ملك، في حصار مدينة بافيا في أكتوبر/تشرين الأوّل 1524، وذلك بجيشٍ مكّنٍ من 26 ألف جندي من بينها 6000 جندي فرنسي و17000 أجنبي، إضافةً إلى 8000 مرتزق سويسري و9000 جندي من فرقة ألمانية إيطالية، وتألف سلاح الفرسان الفرنسي من 2000 دركي و1200 رماح.
ولفك الحصار على مدينة بافيا، أرسل الإمبراطور الروماني تشارلز الخامس، جيشاً قوامه 22 ألف جندي تحت قيادة تشارلز دي لانوي و الدوق الفرنسي المنشق بوربون.
كان الجيش الإمبراطوري مشكلاً من 12 ألف من مشاة هابسبورغ و5000 جندي إسباني و3000 جندي إيطالي.
ومن دون سابق إنذار، وجد الجيش الفرنسي نفسه محاصراً في مدينة بافيا بعد أن كان هو المحاصر للمدينة، وفي 24 فبراير/شباط، اندلعت معركة بافيا.
استمرت المعركة أربع ساعات وانقسم فيها الجيش الفرنسي وهزم هزيمة قاسية، إذ عانى الفرنسيون من خسائر فادحة، بما في ذلك مقتل العديد من النبلاء، والقبض على الملك فرانسوا الأوّل من قبل جيش هابسبورغ، حيث سجنه الإمبراطور تشارلز الخامس في مدريد.
الهزيمة التي فرضت على فرنسا التحالف مع الدولة العثمانية
بعد الهزيمة المذلة في معركة بافيا، قرر الفرنسيون اللجوء إلى الدولة العثمانية من أجل طلب المساعدة منها بعد سقوط الملك الفرنسي في الأسر ومعاناة الفرنسيين من تحرّش الإمبراطورية الإسبانية.
وبعد خروج فرانسوا الأول من الأسر سنة 1526، بدأت التقارب الرسمي بين البلدين؛ حيث كان الملك الفرنسي يرغب دخول الدولة العثمانية في خط صراعه مع الإمبراطور شارل الخامس؛ حيث طلب فرانسوا الأول من سليمان القانوني مهاجمة الإمبراطورية الرومانية من جهة المجر، وإشغالها من الشرق، كي يستغل الملك الفرنسي ذلك ليقوي وضعه في الغرب.
وفي العام 1535، أرسل فرانسوا الأوّل مبعوثه إلى السلطان سليمان القانوني من أجل عقد اتفاقية تحالفٍ بين الدولتين من أجل وضع حدٍ لطموحات شارل الخامس، وإضعاف قوته وهي الاتفاقية التي تم التوقيع عليها سنة 1536م.
كان فرانسوا الأول ملك فرنسا يعتبر الدولة العثمانية القوة الوحيدة لحماية الدول الأوروبية ضد التوسع القتالي لشارل الخامس.
وبالفعل ساعدت الدولة العثمانية في صيف عام 1543م الفرنسيين في تحرير مدينة “نيس” الفرنسية، من خلال أمر السلطان سليمان القانوني أسطوله للإبحار إلى فرنسا من أجل تحرير المدينة الفرنسية.
وبعد تلك المساعدة، قامت فرنسا بعرض استضافة قاعدة عسكرية عثمانية في ميناء طولون، على أن يتحول هذا الميناء الفرنسي إلى قاعدة بحرية لانطلاق الأساطيل العثمانية لصد بحرية الإسبان والإيطاليين، وذلك لكي تضمن فرنسا عدم اعتداء أساطيل الإمبراطورية الرومانية المقدسة عليها في ظل وجود قاعدة عسكرية عثمانية على أرضهم، مقابل مساعدة الفرنسيين العثمانيين في تحرير مدينة تونس.
وبالفعل، تحولت مدينة تولون الفرنسية إلى قاعدة بحرية عثمانية لحماية فرنسا، وقام ملك فرنسا بدوره بتحويل كاتدرائية طولون مؤقتاً إلى مسجد لكي يصلي فيه جنود الحامية العثمانية المسلمة التي كانت تقدر بـ30 ألفاً من الجنود.
وعلى مدار 6 أشهر من نهاية 1543م إلى بداية 1544م، تحولت المدينة الفرنسية إلى قاعدة حربية لانطلاق الحملات العسكرية العثمانية، وقامت فرنسا بتزويد الحامية العثمانية خلال تلك الفترة بنحو 10 ملايين كيلوغرام من الخبز، وصارت العملة المتداولة في مدينة طولون أثناء تلك الفترة هي العملة العثمانية.