مع بداية الغزو الإسباني للسواحل الجزائرية في نهاية القرن الـ15، شهدت الجزائر فراغاً سياسياً كبيراً نتيجة الضعف الذي دبّ في الدولة الزيانية التي كانت قائمة في البلاد، الأمر الذي أدى إلى قيام كيانات سياسية حاولت ملء هذا الفراغ، كان من أهمها مملكة كوكو التي نشأت مطلع القرن الـ16.

كان تأسيس مملكة كوكو في البداية من أجل صدّ الغزو الإسباني، ومن بعدها دخلت في صدام مع العثمانيين، الذين شرعوا في التوسع على حساب المملكة، التي كانت تمتد من حدود بجاية إلى ولايتي الشلف والبليدة.

مملكة كوكو.. الدولة الصغيرة التي تأسست لصد هجمات الإسبان

مع سقوط الأندلس سنة 1492م، شرعت الممالك المسيحية الإسبانية في ما تسمى بحروب الاسترداد، شملت هذه الحملات العسكرية مطاردة الفارين من الأندلس إلى سواحل المغرب العربي، وسقطت عدة مدن جزائرية في يد الاحتلال الإسباني، كانت أبرزها مدينة بجاية التي احتلها الإسبان سنة 1510.

مملكة كوكو
نصب تذكاري لأحمد بن القاضي أوّل ملك لمملكة كوكو / مواقع التواصل

في تلك الأثناء كانت الجزائر تعيش فوضى سياسية، بسبب الضعف الكبير، والتمرد الذي قادته القبائل على الدولة الزيانية، فتحولت معظم أرجاء الجزائر إلى كيانات سياسية متفرقة تحكمها القبائل والعائلات الكبيرة.

في نفس السنة، كان أحمد الغبريني، الملقب بأبي العباس الغبريني، والذي اشتُهر بكنيته ابن القاضي بعد أن طلب منه الحماديون والحفصيون تولي شؤون القضاء، قد توجّه إلى جبال جرجرة بعد سقوط بجاية، وشرع في توحيد القبائل حوله من أجل صد الغزو الإسباني، وبالفعل نجح بحكم حنكته السياسية وشهرته في توحيد هذه القبائل؛ لتنشأ بعدها مملكة كوكو على سفوح جبال جرجرة.

في هذا الصدد يشير المؤرخ الجزائري، صالح عبّاد، في كتاب “الجزائر خلال الحكم التركي“، حول تأسيس هذه المملكة أنّه “عند سقوط بجاية بيد الإسبان، استغل أحمد ابن القاضي الفراغ السياسي في جبال جرجرة وأنشأ المملكة التي عُرفت بمملكة أولاد القاضي، أو باسم مملكة كوكو. ويبدو أن المحرك الأساسي في جمع السكان حولها هو رفع لواء مقاومة الإسبان”.

تحالفت مع العثمانيين في البداية ثم انقلبت عليهم

بعد احتلال الإسبان معظم السواحل الجزائرية، وشروعهم في التوسع، قام أعيان مدينة الجزائر بإرسال رسالة استغاثة من البحّار العثماني بربروسا وإخوته، من أجل القدوم إلى الجزائر لتحريرها من الإسبان، وبالفعل نجح الأخوان بربروسا في تحرير مدينة الجزائر سنة 1518م، وشرعوا في حملة لتحرير بقية المدن الجزائرية من الإسبان.

كانت علاقة ابن القاضي بالإخوة بربروس قديمة بعض الشيء، ففي عام 1512، ساعد ابن القاضي البحّارعروج بربروس، لدفع الإسبان عن ميناء مدينة بوجي في، ثم في حصار بجاية الأوّل سنة 1514 وهي المعارك التي فقد فيها عروج ذراعه.

وفي تحرير مدينة الجزائر شارك ابن القاضي ومملكة كوكو في مساعدة البحارة العثمانيين في معاركهم ضد الإسبان، وخلال الفترة الأولى من حكم العثمانيين للجزائر، حكم ابن القاضي الأراضي الممتدة من جرجرة إلى سطيف وقسنطينة.

مملكة كوكو
خريطة تظهر حدود مملكة كوكو خلال فترة إقامتها / مواقع التواصل

لكن هذه العلاقة بين ابن القاضي بالإخوة بربروس سرعان ما بدأت في التدهور، بعد أن أرادت مملكة كوكو الاستيلاء على حكم الجزائر بعد رحيل بربروس من المدينة لتحرير تلمسان.

في سنة 1520، بلغت العلاقة بين مملكة كوكو والعثمانيين أوج تدهورها، بعد أن أطلق خير الدين بربروس حملة ضد مملكة كوكو، التي تضاعفت محاولاتهم للاستيلاء على الحكم في مدينة الجزائر، لكن الدعم الحفصي الكبير لابن القاضي في معركة سهل يسّر جعلت مملكة كوكو تنتصر في المعركة، وبذلك صار أحمد بن القاضي حاكماً على الجزائر حتى 1527، عندما قتل من قبل أتباعه في معركة ضد العثمانيين.

استمرت علاقة العداء بين مملكة كوكو والعثمانيين إلى أن تزوج علي بتشين، قائد البحرية العثمانية، من ابنة أحمد ابن القاضي، لتشهد العلاقة بين الكيانين نوعاً من الهدنة.

امتدت لقرن ونصف وحكمها تسعة ملوك

رغم مقتل ملكها الأوّل أحمد ابن القاضي، استمرت مملكة كوكو في الوجود لأزيد من قرن ونصف من الزمن، وذلك بعد أن تعاقب على حكمها 9 ملوكٌ من سلالة ابن القاضي التي تعود أصولها إلى الأدارسة في تلمسان، كان آخرهم علي بن أحمد، الذي حكم المملكة من 1696 إلى 1750 تاريخ سقوطها.

ومنذ وفاة ملكها الأول، بدأت الخلافات تدب بين أبناء الغبريني، الذين حكم كل منهم جزءاً من المملكة، كما دخلوا في حروب مع خصومهم من مملكة بني العباس والعثمانيين، وهو ما سرّع بانهيار مملكة كوكو، ومن ثم اندثارها.

مملكة كوكو
راية مملكة كوكو / مواقع التواصل

وعن نهاية هذه المملكة، جاء في كتاب “الجزائر خلال العهد التركي”، أن “حسن آغا، القائد العثماني، سار إلى ملك كوكو على رأس حملة تتكون من 6 آلاف جندي، يحملون معهم 12 مدفعاً، لكن ملك كوكو، الذي رأى أنه غير قادر على مواجهة هذه القوات، خضع للعثمانيين دون قتال”.

تصنَّف حالياً منطقة كوكو، التي شهدت قيام هذا الكيان السياسي التاريخي ضمن التراث الوطني الجزائري المحمي، ولحماية الثروة الغابية من الحيوانات التي تعيش في المنطقة، تم إنشاء الحظيرة الوطنية لجرجرة بمقتضى مرسوم رقم 83460 المؤرخ في 23 يوليو/تموز 1983م.