كان يوغرطة ملك مملكة نوميديا الابن غير الشرعي لمستنبعل وحفيد ملكها الأوّل ماسينيسا، وكان الأقل حظوظاً من بين أحفاد ماسينيسا في الوصول إلى السلطة وحكم مملكة نوميديا.

مع ذلك، فإن طموح يوغرطة الشخصي وذكاءه، إلى جانب استغلاله للقوة البشرية التي وضعت في يده والموارد المالية التي مكنته من شراء النفوذ، أوصلته إلى السلطة بعد وفاة عمه مكيبسا الذي حكم نوميديا في الفترة ما بين 148 إلى 118 قبل الميلاد، وذلك بعد خلافته لماسينيسا.

فقد قسّم مكيبسا المملكة بين ولديه حيمبصال الأول وأذربال وابنه بالتبني يوغرطة، لكن يوغرطة اغتال كليهما، وقام برشوة مجلس الشيوخ الروماني ومختلف المبعوثين والجنرالات الذين أرسلوا ضده حتى عام 105 قبل الميلاد، وبعد عدد من الانتصارات المبهرة ضد روما، تعرض للخيانة أخيراً من قبل صهره بوخوس ملك موريتانيا المجاورة الذي سلّمه إلى روما مقيداً بالسلاسل.

يوغرطة الملك النوميدي الذي أعلن الحرب على عائلته من أجل الحكم

ولد يوغرطة في العام 160 قبل الميلاد، ويعني اسم يوغرطا بالأمازيغية “كبير القوم”، ظلّ يوغرطة الحفيد غير الشرعي لماسينيسا لسنواتٍ طويلة، قبل أن يقتنع بالاعتراف به بعد ضغوطٍ من الجنرال الروماني سيبكو الإفريقي الذي أعجب بيوغرطة منذ صغره، وبسرعة صارت لدى يوغرطة مكانة محبوبةً في مملكة نوميديا.

بحسب nationalgeographic، أغضبت شهرة يوغرطا الواسعة بين النوميديين، الملك الجديد مكيبسا الذي استعاض غضباً من شهرة يوغرطة وخشي أن يؤثر ذلك على حظوظ أبناؤه في السلطة، قام مكيبسا بإرسال يوغرطة على رأس كتيبة الفرسان النوميدية إلى إسبانيا لمساعدة الجنرال الروماني، سكيبيو الإفريقي الأصغر في حصار نومانتيا، وكان أمل مكيبسا أن لا يعود يوغرطة حياً من تلك الحملة.

قلب يوغرطة جميع آمال عمه رأساً على عقب، فقد عاد يوغرطا من الحملة العسكرية في إسبانيا منتصراً، ليس هذا فقط، بل إنه عاد برسالة مدحٍ من الجنرال سكيبيو الإفريقي الذي أعجب بأداء يوغرطة في الحرب.

يوغرطة
الملك النوميدي يوغرطة / ويكيبيديا

ضرب يوغرطا في خرجته العسكرية تلك عش عصافير بحجرٍ واحد، فقد سمحت له هذه الحملة بتأسيس سمعته العسكرية والسياسية، دون أن ننسى العلاقات الثمينة التي أقامها مع روما وخصوصاً الجنرال سكيبيو الإفريقي.

من أجل تقليل التهديد الذي يشكله على العرش، قرر الملك مكيسا تبني ابن أخيه وإدراجه في تقسيم مملكته إلى ثلاثة أجزاء متساوية مع أبنائه البيولوجيين، حِمِبْسَال وأذربال، لكن طموح يوغرطا لم يكن ليسمح له بحكمٍ جزءٍ واحدٍ، فلم يقبل بمقترح تقسيم مملكة جده وأعلن الحرب على عائلته.

حارب روما بالمال والرشاوى

عند وفاة مكيبسا، رفض تقسيم المملكة إلى 3 أجزاء مع شقيقيه، وأرسل قواته إلى مقر حكمبصل، وقطع رأسه، في حين فرّ شقيقه أدربال إلى روما للبحث عن ملجأ.

وهناك أبلغ أدربال مجلس الشيوخ الروماني بخيانة يوغرطا الذي أمر باغتيال أخيه، وطالب بتحقيق العدالة وسارع مجلس الشيوخ إلى تشكيل لجنة تحقيق.

نوميديا
خريطة نوميديا في عهد الملك يوغرطا / ويكيبيديا

لم يؤثر ذلك على يوغرطا الذي كان مقتنعاً بالفساد المستشري في روما، بحيث وصفها بأنها “مدينة معروضة للبيع ومتجهة للانحدار السريع إذا وجدت مشترياً”.

لذلك، عمل يوغرطا على شراء بعض أصدقائه في مجلس الشيوخ، لتقرر اللجنة تقسيم نوميديا ​​بين يوغرطة وعذربال، أما دور يوغرطا في اغتيال حكمبصل، فلم يكترث أحد بسبب المال.

طبعاً لم يقبل يوغرطا قسمة روما الجديدة، فجمع قواته مرة أخرى، وهاجم عذربال وأجبره على التراجع. لجأ أدربال إلى سيرتا، عاصمة مملكته النوميدية، وطلب المساعدة من روما. حاصر جيش يوغرطا مدينة سيرتا المحصنة وحرمها من كل الإمدادات.

حاولت روما التوسط بين يوغرطا وعذربال، بحيث أوفدت مبعوثي رومان إلى سيرتا لإقناع يوغرطا بتوقيف حربه، لكن الأخير نجح في إسقاط سيرتا واعتقال عذربال الذي مات تحت تعذيبه، لكن الأكثر من ذلك أنّ هجوم يوغرطا كان من بين ضحاياه المبعوثون الرومان.

خيانة بوخوس كانت سبباً في نهاية يوغرطة

بقتل المبعوثين الرومان، كان يوغرطا قد تجاوز الخطوط الحمراء التي وضعتها روما، فبعدها لم يكن أمام مجلس الشيوخ أي خيار سوى إعلان الحرب على يوغرطا وإرسال الجيش الروماني في 112 قبل الميلاد لقتاله.

كان يوغرطا مقتنعاً بأن كل شيء في روما له ثمن، فدفع الرشى بغزارة للجيش الروماني من أجل الخروج من هذا المأزق بأقل خسارة، وهو ما كان في شروط استسلامه.

أشيع في روما أنّ يوغرطا قدّم رشوة للأستقراطيين الرومان، الأمر الذي دفع مجلس الشيوخ إلى استدعاء يوغرطا للدفاع عن نفسه ضد هذه الاتهامات.

تعرَّ يوغرطة للخيانة من طرف صهره بوخوس ملك موريتانيا / ويكيبيديا

خلال زيارته، قام برشوة السلطات من أجل تخفيف عقوبته وحصل على حقّ العودة إلى مملكته دون قلق. ومع ذلك، قبل مغادرته روما، لاحظ وجود أحد أقربائه في روما، مدعياً حقّه في عرش نوميديا، فأستغلّ الفرصة لاغتياله قبل العودة إلى سيرتا.

كان ذلك الاغتيال بمثابة تحد ليوغرطا، فقد كان قتل أمير وضع تحت حماية روما أحد الاستفزازات الكبيرة. ففي عام 110 قبل الميلاد، أعلنت روما الحرب مرة أخرى على يوغرطا، وأوعزت قيادة الجيش الروماني إلى القنصل كوينتوس ميتيلوس، الذي نجح في تحقيق انتصارات كثيرة على يوغرطة، لكنه فشل في القبض عليه، ولهذا السبب تم عزله.

وفقاً لموقع warfarehistorynetwork، اختار مجلس الشيوخ الجنرال كايوس ماريوس من أجل مهمة القضاء على يوغرطا، فقد كان ماريوس يتمتع بمهارات عسكرية هائلة ويتمتع بشعبية كبيرة بين القوات الرومانية، مع ذلك واجه صعوبات في القبض على يوغرطا الذي تمكن من إقناع والد زوجته، بوخوس، ملك موريتانيا، بحمايته، لكن هذا الأخير خان يوغرطا في العام 105 قبل الميلاد، وذلك بعد أن سلّمه إلى روما مقيداً بالسلاسل، وذلك بعد أن وعدته روما بالسماح له بالسيطرة على مساحة شاسعة من نوميديا، ليموت يوغرطة في السجن بسبب الجوع والتعذيب.