في الخامس عشر من مايو في كل عام يحيي الفلسطينيون ذكرى المأساة التي حلت بالشعب الفلسطيني عام 1948، عندما أجبر أكثر من 750 ألف فلسطيني على الهجرة القسرية مخلفين وراءهم بيوتهم وأراضيهم التي احتلتها الصهاينة، إذ باتت هذه المناسبة المأساوية تعرف باسم “النكبة الفلسطينية”.
النكبة الفلسطينية.. ما قبل عام 1948
قبل 75 عاماً، تم الإعلان عن قيام دولة إسرائيل، إذ تمكنت الحركة الصهيونية من السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية بدعم بريطاني، بعد أن قامت بقتل وتهجير آلاف السكان وتدمير عشرات القرى.
وفي حين اعتبر عام 1948 بداية للنكبة الفلسطينية، إلا أن مخططات إقامة دولة صهيونية على الأراضي الفلسطينية بدأت قبل ذلك بكثير.
في أربعينيات القرن التاسع عشر، قام حاكم مصر محمد علي ببسط نفوذه على سوريا وفلسطين، ضد رغبة السلطان العثماني، في وقت كان فيه النفوذ الفرنسي يتعاظم في فلسطين أيضاً باعتبارها “حامية للمجتمعات الكاثوليكية”، في حين بدأ النفوذ الروسي بالنمو أيضاً باعتبار روسيا حامية للأرثوذوكس الشرقيين.
بذلك بقيت بريطانيا خارج اللعبة، ما جعلها تشعر بحاجة لخلق كيان “تحميه” في فلسطين. وانطلاقاً من هذه الاعتبارات السياسية انتشرت الخطابات المتعاطفة مع “إعادة اليهود” إلى فلسطين بين أوساط النخبة السياسية البريطانية في منتصف القرن التاسع عشر، وعليه شجعت وزارة الخارجية البريطانية هجرة اليهود بنشاط إلى فلسطين.
وفي عام 1896، نشر تيودور هرتزل النص الأساسي للصهيونية السياسية بكتاب تحت عنوان “الدولة اليهودية” الذي يؤكد أن الحل الوحيد للأزمة اليهودية في أوروبا هو تأسيس دولة لليهود في فلسطين، وقد أسس “المنظمة الصهيونية” لخدمة هذا الهدف لكنه مات قبل أن يحقق أي مكاسب سياسية لقضيته.
لكن خلفه حاييم وايزمان عقد لقاءً مع آرثر بلفور عام 1904 والذي كان رئيساً للوزراء في بريطانيا آنذاك، وقد استطاع هذا الأخير دفع قضية اليهود إلى البرلمان، وإلقاء خطابات عاطفية تحدثت عن ضرورة تقييد موجة هجرة اليهود الفارين من الإمبراطورية الروسية إلى بريطانيا، تمهيداً للحصول على موافقة لإنشاء وطن مستقل لهم.
وقد استطاع وايزمان أخيراً انتزاع اعتراف بريطاني بمشروعه بعد أن استلم ديفيد لويد جورج منصب رئيس الوزراء عام 1916، وعين بلفور وزيراً للخارجية.
ففي عام 1917، أصدر وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور، وعده الشهير الذي كان بمثابة حماية ودعم بريطاني للانتهاكات الصهيونية التي بدأت بالتصاعد في فلسطين منذ ذلك الحين.
مقترح الأمم المتحدة لتقسيم الأرض
منذ أن صدر وعد بلفور تزايدت هجرة اليهود من جميع أنحاء العالم إلى فلسطين، وبدأ اليهود بشراء الأراضي الفلسطينية في البداية لبناء المستوطنات اليهودية قبل أن يتطور الأمر إلى اغتصابٍ لأراضي الفلسطينيين بحماية بريطانية.
ورداً على تلك الممارسات، قامت عدة ثورات أبرزها الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1935 على يد الشيخ عز الدين القسام، وبعد استشهاده قادها فخري عبد الهادي.
وفي عام 1939، تمكن الانتداب البريطاني من سحق الثورة العربية التي قامت ضد الاحتلال الصهيوني والانتداب البريطاني معاً.
ومع تزايد أعداد الصهاينة وزيادة انتهاكاتهم، أطلقت الأمم المتحدة عام 1947 خطة لتقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية وعربية.
في ذلك الوقت كان الصهاينة يسيطرون على 6% فقط من مساحة فلسطين، مع ذلك فقد أعطاهم مقترح الأمم المتحدة نسبة 55% من المساحة.
بالتأكيد رفض الفلسطينيون هذا المقترح، فيما وافق عليه الصهاينة لا سيما وأنه يعطي الشرعية لدولتهم الناشئة التي باتت تُعرف فيما بعد باسم “إسرائيل”.
التهجير القسري للفلسطينيين
أما نكبة الفلسطينيين الحقيقية فقد بدأت عام 1948 عندما فرض الصهاينة سيطرتهم بالقوة على جزء كبير من الأراضي الفلسطينية وطردوا الفلسطينيين من بيوتهم، بينما لم يحرك الانتداب البريطاني ساكناً تجاه الانتهاكات الصهيونية.
وتشير النكبة إلى تهجير أكثر من 750 ألف فلسطيني من 20 مدينة ونحو 400 قرية باتت جميعها ملكاً للصهاينة، هذا فضلاً عن المجازر الصهيونية التي راح ضحيتها قرابة آلاف الفلسطينيين في عملية وصفت على أنها “تطهير عرقي”.
وفي ذات العام، أعلنت بريطانيا انتهاء انتدابها على فلسطين مسلمةً إياها للصهاينة الذين أعلنوا قيام دولة إسرائيل بعد يوم واحد من النكبة.
ويذكر أن المؤرخ والمفكر السوري قسطنطين رزق كان أول من استخدم مصطلح النكبة للإشارة إلى مأساة تهجير الفلسطينيين. وقد أصدر بعد ثلاثة أشهر فقط على إعلان قيام دولة إسرائيل، كتابه “معنى النكبة” باللغة الإنجليزية.
ووفقاً لمركز المعلومات الوطني الفلسطيني فقد نفذت العصابات الصهيونية خلال النكبة أكثر من 70 مجزرة بحق الفلسطينيين، ليقدر عدد ضحاياها من الفلسطينيين بنحو 15 ألفاً، وقرابة 3500 ألف عربي، إضافة إلى تشريد قرابة 200 ألف فلسطيني. في حين تعرض قرابة 4700 فلسطيني للاعتقال.
ومع وجود ملايين الفلسطينيين اللاجئين حول العالم، باتت نسبة الفلسطينيين اليوم نحو 49.9% من السكان المقيمين في فلسطين، فيما يشكل اليهود ما نسبته 50.1%، لكنهم مع ذلك يشغلون أكثر من 85% من المساحة الكلية لفلسطين.