في البداية، دعونا نتذكر بعض المعلومات التاريخية عن بناء أكبر أهرامات الجيزة، الهرم الأكبر المعروف بهرم الملك خوفو. هذا الهرم الذي يبلغ ارتفاعه الأصلي 146.5 مترا، وظل أطول مبنى في العالم طيلة 3800 عام، استغرق بناؤه ما بين 10 إلى 20 عاما، حسب موقع وزارة السياحة والآثار المصرية.

يُعتقد أن البناء كان بين عامي 2589-2566 قبل الميلاد، وقد بُني من الحجر الجيري المحلي، كما كان مغطى قديما بكساء من الحجر الجيري عالي الجودة، ويعتقد أن أحجار الكساء جلبت من محاجر طرة عن طريق مراكب تصل حتى الهرم، ورغم كل الأبحاث والدراسات التي أجراها علماء الآثار على مدى عقود، لا تزال طريقة بناء الهرم الأكبر غير مؤكدة، رغم التوقعات بمشاركة عشرات الآلاف في ذلك طوال سنوات البناء.

وسيكون بناء الهرم اليوم مهمة ضخمة، سواء من حيث التكلفة أو الموارد، حتى مع وجود الرافعات والمروحيات والجرارات والشاحنات والتكنولوجيا المتطورة المتوفرة حاليا، إذ ستحتاج هذه المهمة لعديد من الموارد والتقنيات التي اقترحها بعض المتخصصين والمجلات العلمية.

وتتطلب أيضا قوة عاملة كبيرة من العمال المهرة والمهندسين لتصميم وبناء هرم، ومن المرجح أن تصل تكلفة العمالة وحدها إلى مليارات الدولارات، نظرا لاعتقاد المؤرخين وعلماء المصريات أن عشرات الآلاف من العمال شيدوا الأهرامات المصرية، وكثير منهم كانوا عبيدا أو عمالا مجنّدين.

وستحتاج إلى الموارد كذلك، إذ استخدم قدماء المصريين ملايين الكتل من الحجر الجيري لبناء الأهرامات، التي يتراوح وزن كل منها من 2 إلى 70 طنا. ورغم احتمال استخدام مواد بناء حديثة مثل الخرسانة المسلحة، وهي أرخص تكلفة ومتاحة أكثر من الحجر الجيري، فإن الكمية الهائلة من المواد اللازمة لبناء الهرم ستظل مذهلة، وستكون على الأرجح بمليارات الأمتار المكعبة.

كذلك، يتطلب بناء الهرم اليوم تقنيات هندسية وتجهيزات بناء متقدمة، مثل الرافعات والجرافات والحفارات، وغالبا ستحتاج هذه الآلات إلى أن تكون مصممة خصيصا للتعامل مع التحديات الفريدة لبناء الهرم، مثل رفع ووضع كتل ضخمة من الحجر.

كما سنأخذ في الاعتبار المنطقة الجغرافية والتأثير البيئي، إذ سيتطلب بناء هرم تنظيف مساحات كبيرة من الأراضي وتسويتها، كما ستؤدي عملية البناء أيضا إلى توليد كمية كبيرة من النفايات والتلوث، والتي ستحتاج إلى إدارتها والتخفيف من حدتها.

وقد حاولت محررة موقع “لايف ساينس” (Live Science) ناتالي ولتشوفر وضع أرقام تقريبية لهذا التساؤل. وفي المقال الذي نشره الموقع العلمي إلى جانب شبكة “إن بي سي نيوز” (NBC News) الأميركية، افترضت الكاتبة خطة البناء، إذ ذكرت أن تكلفة بناء الهرم الأكبر قد تصل إلى 5 مليارات دولار، وفترة عمل تصل إلى 5 سنوات.

ويتألف الهرم من 2.3 مليون حجر يزن كل منها ما يقرب من 3 أطنان، وهو ما يعني إجمالي كتلة تزن 6.5 ملايين طن، وإحدى النظريات حول بنائه تفترض أن الهرم تم بناؤه عن طريق منحدر خارجي طويل، وهذا المنحدر كان يتطلب لفة حول مسافة تزيد على 1.5 كيلومتر ليساعد بما يكفي لجر الحجارة إلى الأعلى، وكان حجمه ضعف حجم الهرم نفسه.

هناك نظرية أخرى تشير إلى أن الثلث الأسفل من ارتفاع الهرم بُني بالحجارة التي تم جرها عند منحدر خارجي، لكن أيضا لبناء الجزء المتبقي من الهرم تفترض النظرية أن المصريين بنوا منحدرا داخليا ووضعوا كتل الحجر في مكانها وهم يصعدون، وعلاوة على ذلك، قد يكون العمال أعادوا استخدام الحجارة التي استخرجت للمنحدر الخارجي لبناء الأقسام العلوية للهرم، بحيث لا تُهدر أي موارد.

عمل على هذه النظرية المهندس المعماري الفرنسي جان بيير هودين بالتعاون مع فريق من شركة الرسومات ثلاثية الأبعاد “داسو سيستم” (Dassault Systems) لإنشاء نموذج افتراضي لعملية البناء. وسواء كانت النظرية صحيحة أم لا، فإن هودين يعتقد أن عملية البناء من الداخل إلى الخارج هي الطريقة الأكثر اقتصادية لبناء الهرم الأكبر.

في مقابل الحبال وبعض الأدوات البدائية التي اعتمد عليها المصريون القدماء، يمكن اليوم استخدام أدوات أكثر تطورا شائعة لبناء الهرم، مثل الرافعات والمركبات حاملة الحجر والمروحيات لرفع الأحجار للجزء العلوي، لكن هذا قد يحتاج إلى ما بين 1500 إلى ألفي عامل خلال 5 سنوات، حسب توقعات المهندس هودين في التقرير الذي نشر عام 2012.

من الصعب تقدير التكلفة الدقيقة والموارد اللازمة لبناء هرم اليوم، لكن المؤكد أنها ستكون مهمة ضخمة تتطلب مليارات الدولارات وسنوات من التخطيط والبناء، وقد افترض تقرير آخر نشر عام 2021 عبر موقع “ذا ريتشست” (The Richest) رقما تجاوز مليار دولار لتكلفة أحجار الجير فقط.

وافترض الموقع أن كل قالب من الحجر الجيري يكلف 495 دولارا، وبضرب هذا السعر في عدد القطع الحجرية المستخدمة في بناء الهرم الأكبر وهي 2.3 مليون قطعة حجرية، فإن تكلفة الحجارة فقط ستكون 1.14 مليار دولار، بعيدا عن التكاليف الأخرى المتعلقة بالعمال والنقل والبناء.