اختلف الوسيط في العلاقة بين النجم وجمهوره في عصر مواقع التواصل الاجتماعي؛ فاختلفت معه طبيعة العلاقة بين الجمهور والأعمال الفنية ونجومها. وبعدما كانت الأمنيات في البداية أن تقرب هذه المواقع الفنانين إلى أرض الواقع والجمهور، وتجعلهم أكثر تواصلاً مع المتلقين، أصبحت مهددة بأن تكون سبباً في توتر العلاقة بينهم، بعد الاقتراب الأكثر من اللازم بين النجوم والجمهور، خصوصاً في فترة عرض الأعمال الفنية، مثل موسم رمضان الحالي، الذي تزايدت به حالة الاحتقان والتوتر في شكل هذه العلاقة.
لعلنا لاحظنا خلال موسم رمضان الحالي والفترة القليلة السابقة له شكوى عدد من الفنانين من مواقع التواصل الاجتماعي، وضيقهم من انتقادات الجمهور، حتى أن بعض الفنانين دخلوا في اشتباكات مع بعض المتابعين، وبعضهم الآخر يرى الانتقادات حملات ممولة وممنهجة ضدهم، والنماذج عديدة، مثل رد الممثل المصري علاء مرسي على أحد المتابعين له ووصفه بـ”المتفرج الفاشل”. كما وصف مخرج مسلسل “الإكسلانس” لمحمد سعد، منتقدي المسلسل بأنهم “لا يفقهون شيئاً”. ورد الفنان عابد فهد على أحد المعلقين طالباً منه التوقف عن “التنظير”، وغيرها من التعليقات الغاضبة المتشابهة التي تطلب من الجمهور التوقف عن مشاهدة الأعمال بدلاً من انتقادها.
اختبرت وسائل التواصل الاجتماعي قدرة الفنانين على تقبل النقد، وهي الإجابة التقليدية لهم في العصر السابق، بأنهم بالطبع يتقبلون النقد البناء. ولكن قديماً كانت الوسائل التقليدية، مثل الصحف والتلفزيون، هي الوسيط بين النجم والجمهور والجدار العازل بينهما. وكان لقاء الفنانين بالناس لا يتم سوى بالمقابلات الشخصية النادرة، التي تغلب عليها مشاعر الانبهار والإعجاب، على عكس مواقع التواصل الاجتماعي التي تجعل الفنان معرضاً لآلاف التعليقات، ويراه المعجبون يومياً، مسببة حالة ارتباك لدى بعض الفنانين الذين يفقدون السيطرة على انفعالاتهم، ويدخلون في مشاجرات مع المنتقدين، قد تصل أحياناً إلى أن يذهب فنان، مثل أحمد السقا، إلى منزل أحد مهاجميه على مواقع التواصل الاجتماعي، ويهدده أمام أسرته، وهو موقف يكشف مدى عدم فهم وتقبل النجوم القدامى للوسيط الجديد بينهم وبين الجمهور.
رغم المزايا العديدة التي أنتجتها مواقع التواصل الاجتماعي في هذه العلاقة، إلا أنها أنهت أسطورة النجومية الغامضة وأزالت الانبهار لدى المعجبين، ويبدو أنها واحدة من أسباب توتر العلاقة بين الطرفين، لعدم رضى الفنانين بهذا الوضع الجديد مع عدم انفرادهم بالشهرة، والقدرة على التأثير بسبب تشكل طبقات جديدة من مشاهير هذه المواقع البديلة. دفعت هذه الحالة بعض الفنانين إلى التحسر على شكل النجومية القديم، ومنهم الممثل المصري أحمد فهمي، الذي عبر عن استيائه من تحول الفنانين إلى مؤثرين، ينشرون صورهم على “إنستغرام” ويطلبون رأي المتابعين بها، ويستجدون الاهتمام والإعجاب.
عوامل أخرى ساعدت على انتهاء هيبة النجوم والانبهار بهم، مثل الحضور الزائد عن الحد للفنانين على مواقع التواصل، ورغبتهم في منافسة المؤثرين في جذب المتابعين بدلاً من الاهتمام بأعمالهم الفنية ودورهم كفنانين. جعل هذا الأمر الفنانين أكثر عرضة إلى التعليقات المختلفة يومياً، والتي لن تكون إيجابية طوال الوقت، خاصة مع تطور سلوك جمهور الأعمال الفنية في السنوات الأخيرة، بفضل انتشار منصات العرض الإلكترونية وزيادة عدد المؤثرين وصناع المحتوى، الذين يحللون الأعمال الفنية وأحياناً يسخرون منها. وانتشرت مجموعات المشاهدة وصفحات التقييمات على مواقع التواصل، وجعلت لدى الجميع الحق في نقد الأعمال ومقارنتها وتحليلها، ولم تعد هذه المهمة حكراً على النقاد والمتخصصين في الصحف والتلفزيون.
أصبحت مواقع التواصل مثل المسرح، يحصل صناع الأعمال على رد فعل فوري من الجمهور على كل مشهد ولقطة في نفس توقيت عرضها، ولن يستطيع النجوم الإنكار وادعاء تقبل النقد أو أنهم يتلقون الإشادات من الجمهور بالشارع، لأن العرض نفسه أصبح إلكترونياً وعلى مواقع التواصل، فمن الطبيعي أن يكون رد الفعل على نفس الوسيط، لذلك يرتبك البعض إذا كان رد الفعل الجماعي سلبياً، لأنه غير معتاد على ذلك، ويصبح رد فعله جنونيا مثل الاشتباك مع المعلقين أو الذهاب إلى منازلهم مثلما فعل أحمد السقا، أو إلقاء اللوم على المؤامرات والحملات الممولة، وبعضهم بالفعل يتقبل النقد ويلتزم الصمت، وأحياناً ينسحب من مواقع التواصل.
تزداد الفجوة بين الفنانين والجمهور على مواقع التواصل بسبب تزايد الشحن بين الطرفين، فالفئة الأولى ترى أنها أصبحت الهدف السهل للجمهور، وأنهم لا يقدرون متاعب النجومية ولا حجم الجهد وساعات التصوير الطويلة التي يقضونها من أجل إمتاع المشاهد. يظهر ذلك في التصريحات المتكررة للفنانين في تبرير أجورهم العالية، ومحاولة التأكيد على أنهم لا يعيشون حياة سهلة ومرفهة، وهي تبريرات تعكس شعور الفنانين بتربص الجمهور بهم وحسدهم على شهرتهم وأموالهم، وأنها الدافع للانتقادات التي يتعرضون لها، وليست نتيجة أعمالهم الفنية أو تصرفاتهم مثلاً.
قد تكون حالة الشجن والتربص المتصاعدة من الجمهور تجاه الفنانين صحيحة، بسبب استعراض بعضهم لممتلكاته وثروته بطريقة مستفزة أحياناً على مواقع التواصل الاجتماعي، مثلما يفعل أحياناً محمد رمضان. ولكن هناك أسباب أخرى لوجودها، وعلى رأسها عدم اهتمام الفنانين بآراء المنتقدين واعتبارهم تلقائياً أعداء للنجاح وكارهين، وهي تفسر انتشار تعليقات شهيرة للفنانين مثل “موتوا بغيظكم”، أو “مش عاجبك متتفرجش”.
أو مثل تعليق نادين نسيب نجيم على انتقادات مسلسلها “وأخيراً”، بأنها تعمل من أجل نفسها ومحبيها فقط، ولا يهمها رأي الآخرين ولا تحاول إثبات شيء لهم.
يشعر أفراد الجمهور من هذه الردود أنهم غير مهمين أو مؤثرين في المعادلة الفنية، خصوصاً مع شعورهم السابق بأن هؤلاء النجوم مفروضون عليهم من شركات الإنتاج، ولا يملكون حق تقييمهم. وتتجلى هذه الحالة في مصر بسبب احتكار الدولة للإنتاج، ما يجعل النجوم أحياناً يشعرون بأنهم في مهمة وطنية ولا يستحقون الانتقاد أو التقييم، وبالتالي يعتبرهم الجمهور مجرّد أداة في يد الدولة، وأن الجمهور يأتي في المرتبة الثانية في الأهمية بعد الدولة المحتكرة للإنتاج، ما يؤدي إلى المزيد من الاحتقان والعداء بينهما.