كانت الولادة في القرن السابع عشر أمراً خطيراً وقادراً على التسبب في وفاة الأم وطفلها في بعض الظروف؛ إذ كانت المعرفة حول العملية محدودة للغاية، وقد تكون المضاعفات البسيطة أحياناً فتاكة لكل من النساء وأطفالهن؛ لكن القابلة الألمانية جوستين سيجموند بدأت في تغيير ذلك.
إذ احتفى محرك بحث غوغل في الأسبوع الأخير من شهر مارس/آذار عام 2023، بجوستين سيجموند، القابلة الألمانية الثائرة التي تحدت التمييز الجنسي والانحياز الاجتماعي في القرن السابع عشر، ونشرت كتاباً علمياً يتم استخدام تعليماته إلى يومنا هذا في ثقافة التوليد والعناية بالمرأة الحامل وجنينها.
حيث تحدى كتابها الرائد “قابلة المدينة” أو (The Court Midwife) المواقف المجتمعية وأكسبها امتيازاً خلدها في التاريخ حتى الآن لكونها أول امرأة تنشر نصاً طبياً مهماً باللغة الألمانية.
من هي جوستين سيجموند؟
وُلدت جوستين سيجموند في 26 ديسمبر/كانون الأول عام 1636 في رونستوك، التي تُدعى الآن روزتوكا، بألمانيا، ووجدت الدافع لأن تصبح قابلة توليد بعد أن تعرضت لسوء المعاملة من قبل القابلات اللائي شخصنها خطأً بالحمل بدلاً من الرحم المتدلي في سن العشرين.
فعملت بادئ الأمر مع النساء المحرومات الفقيرات وغير القادرات على الاستعانة بمساعدة طبية مكلفة، ثم ما لبثت بسبب سمعتها وتفوقها أن اكتسبت الاعتراف المجتمعي بمهارتها، وبدأت في تلبية احتياجات النساء من العائلات النبيلة أيضاً.
وبدافع من تجربتها الشخصية، قامت جوستين بتثقيف نفسها حول أجساد النساء، والحمل، والولادة، ودرست الكتب الطبية من تلقاء نفسها. ولم تصبح فقط قابلة موهوبة ساعدت في توليد آلاف الأطفال بأمان، ولكنها وصفت أيضاً تقنياتها في نص طبي فريد من نوعه.
تجربتها الشخصية التي كانت سبباً في تخصصها
كما ورد في مقال بالمجلة الأمريكية للصحة العامة، كان لدى سيجموند حالة صحية تُدعى تدلي الرحم، مما يعني ضعف العضلات والأربطة حول رحمها بسبب السعال والإمساك المزمن وغيرها.
كان من الممكن أن يتسبب ذلك في ظهور أعراض مثل الشعور بالثقل في أسفل بطن سيجموند، وقد عاملتها العديد من القابلات بالخطأ كما لو كانت حاملاً وشخصوها خطأ.
وبعد أن شعرت بالإحباط منهم، شرعت سيجموند في التعرف على القبالة بنفسها. في ذلك الوقت، انتشرت تقنيات الولادة بتناقل الكلام الشفهي، وغالباً ما كانت القابلات لا يبحن بعلومهن أبداً لكي لا يخسرن الزبائن.
لكن سيجموند تمكنت من تعليم نفسها والبحث والاستقصاء وقراءة الكتب الطبية المتخصصة، حتى بدأت في توليد النساء حوالي عام 1659.
وبعكس الكثير من قابلات عصرها، نادراً ما استخدمت سيجموند الأدوية أو الأدوات الجراحية أثناء الولادة. وبعدما تخصص عملها مع النساء الفقيرات، وسرعان ما تم استدعاؤها للعمل مع النساء من العائلات النبيلة أيضاً.
بعد ذلك، في عام 1701، وبعدما ذاع صيتها وموهبتها، تم استدعاء جوستين سيجموند إلى برلين للعمل كقابلة رسمية في العاصمة.
كتاب سابق لعصره عن التوليد
كقابلة رسمية في برلين، نمت سمعة جوستين سيجموند بسرعة كبيرة. حتى إنها عملت في ولادة أطفال للعائلة المالكة، وساعدت النساء النبيلات اللائي يعانين من مشاكل صحية مثل أورام عنق الرحم.
تشير المجلة الأمريكية للصحة العامة إلى أن الملكة ماري الثانية ملكة إنجلترا كانت مسرورة جداً بعمل سيجموند لدرجة أنها طلبت منها كتابة نص تعليمي للقابلات الأخريات من بعدها لكي يستفدن من خبرتها.
وعلى الرغم من أن القبالة كانت إلى حد كبير تقليداً شفهياً وكانت النصوص الطبية عادة ما يكتبها الرجال، فإن سيجموند امتثلت لذلك وأصدرت كتابها التعليمي الوافي لتتقاسم معرفتها مع الآخرين.
وفيه وصفت كيف عملت على توليد أطفال أصحاء في الأسبوع الـ37 من الحمل، مما بدد فكرة أن الأطفال لا يمكنهم البقاء على قيد الحياة إلا بعد 40 أسبوعاً. كما كتبت عن أهمية ثقب الكيس الأمنيوسي لمنع “النزيف في المشيمة المنزاحة”.
ووصفت جوستين سيجموند في كتابها أيضاً كيف وجهت الأمهات خلال الولادات الصعبة، مثل عندما يولد الأطفال من الكتف أولاً. ففي ذلك الوقت، يمكن أن تكون مثل هذه الولادة قاتلة لكل من المرأة والطفل بسبب عدم اعتدال وضعية الطفل، لكن سيجموند أوضحت كيف أنها كانت قادرة على تدوير الرضع لتوليدهم بأمان بشكل يدوي محترف.
تحطيم أسطورة “هيمنة الرجال” على مهنة التوليد
ومن خلال مشاركة خبرتها تمكنت أيضاً من صد الأسطورة القائلة بأن الأطفال لا يمكن أن يتم توليدهم إلا من قبل الرجال في ذلك الوقت. ما أثار حنق العديد من الأطباء الذكور العاملين في مهنة القابلة، الذين اتهموها بنشر تعاليم غير آمنة.
على الرغم من هذه الهجمات، أصبح كتاب سيجموند أول نص شامل عن الولادة في ألمانيا بالقرن السابع عشر. قبل ذلك، لم يكن هناك نص موحد يمكن للأطباء مشاركته لتثقيف أنفسهم حول تقنيات الولادة الأكثر أماناً.
ولم يستغرق الأمر وقتاً طويلاً حتى تمت ترجمة كتاب “قابلة المدينة”، الذي نُشر لأول مرة باللغة الألمانية، ثم إلى لغات أخرى.
وعندما توفيت عام 1705 عن عمر يناهز 68 عاماً، كانت جاستين سيجموند قد عملت على توليد ما يقرب من 6200 طفل.