الشجن والألم الممزوجان بالتعاطف والأمل، انفعالات متعددة ومختلفة استطاعت المخرجة السورية زهرة البودي أن تنقلها عبر الفيلم التسجيلي “صول” الذي وثقت من خلاله تجربة ملهمة للمؤلف الموسيقي السوري ابن مدينة اللاذقية جابي صهيوني.

واستطاع جابي أن يتحدى ظروفه الحياتية -كونه من ذوي الاحتياجات الخاصة- على مستويات عدة، سواء في حياته الشخصية وحتى على الصعيد المهني بوصفه ملحنا وصاحب معهد لتدريس الموسيقى الذي أُغلق قبل سنوات قليلة.

وعن بداية الفكرة، تقول زهرة البودي للجزيرة نت إنها حين قابلت جابي عام 2014 كانت قدّمت فيلمها الأول “سالي”، فوجدت شخصا يتمتع بعزيمة وإصرار على تعلم كل شيء في الحياة؛ الموسيقى والتكنولوجيا واللغة.

وتضيف “يعيش جابي حياته على نحو طبيعي، فشعرتُ بأنه مشروعي المقبل. فكّرت بدايةً في تقديم فيلم وثائقي قصير عنه، ولكن بعد جلسات معه واستماعي إلى قصصه، شعرت بأن من الظلم اختصار شخص لديه كل هذه الإنجازات في فيلم قصير أو اختزال قصته فقط في إنجازه الموسيقي، كملحن أو عازف، فهو أيضا ملهم بوصفه من ذوي الاحتياجات الخاصة؛ إذ لديه القدرة على التعايش مع كل الأشياء التي يمر بها، فضلا عن طاقة إيجابية لكل المحيطين به. ومن هنا، قررنا تقديم فيلم وثائقي طويل عن هذا الشاب المميز”.

بذكاء شديد، وظّفت البودي السلّم الموسيقي المتباين في تقديم النقلات المختلفة في حياة جابي، والتي تتأرجح أيضا فلا تسير على وتيرة واحدة؛ إذ تبدأ المشوار من “دو” وتنتهي “بصول”، وهي النقطة التي اختارتها عنوانا للفيلم؛ كونها المرحلة الأكثر توهّجا في مشواره، والعلامة الضابطة للسلم ككل، لتربط بذلك بين حياته وتأثيره على من حوله، وبين كونه موسيقيا صاحب نغمات مميزة.

كما نجحت المخرجة أيضا في نقل حالة التعاطف وترسيخ العلاقة بين المتفرّج وبطل القصة، عبر تقديم تجربته منذ كان طفلا رضيعا حين تكتشف الأم أنه فاقد البصر، وتصبح هي العين التي يرى بها العالم، وتبذل كل طاقتها لكي يتعرّف ابنها على الأشياء من خلالها كأنه يرى.

لكن لم يتوقف الأمر عند ذلك، ففي الرابعة من عمره أصيب جابي بمرض نادر في العظام يصيب واحدا في المليون. ويقول جابي في الفيلم “أنا الواحد في المليون”. هذا المرض أفقده القدرة على الحركة، وتعرّض لكسور أكثر من مرة، حتى أنه لم يستطع أحيانا الوقوف أو المشي، ووصل الأمر إلى مرحلة بتر إحدى ساقيه.

لكن البودي كسرت المأساة بحالة الحب التي ظهرت واضحة من أسرة جابي، خاصة الأم التي قررت أن تتعامل مع ابنها على أنه طفل عادي خُلق بمميزات خاصة، فآمنت به ولم تبعده عن التواصل عن العالم. وتألق جابي في المشاهد خفيفة الظل التي ظهر فيها وهو يمازح من حوله طوال الوقت، ويستمتع مع أصدقائه بمشاهدة المباريات وممارسة حياته على نحو طبيعي.