تسببت أولى حلقات مسلسل “فلوجة”، الذي بدأ عرضه الخميس 23 مارس/آذار 2023، مع بداية شهر رمضان، في جدل واسع في الأوساط الثقافية والرسمية بتونس، بل طُرحت آراء متباينة حوله، فهناك من انتقد “إساءات” العمل الدرامي للمنظومة التربوية، وآخرون رأوا فيه “مرآة عاكسة” تنقل واقع المجتمع والمؤسسات التعليمية، فيما أقام محاميان دعوى قضائية تطالب بوقف بثه.
إذ وجّه وزير التربية التونسي، محمد علي البوغديري، انتقادات شديدة للمسلسل التلفزيوني الذي يُبث على قناة “الحوار” الخاصة، معتبراً أنه “يضرب الأسرة التربوية في العمق، ولا يعكس الصورة الحقيقية للتلميذ التونسي”، فيما رفع محاميان دعوى قضائية للمطالبة بوقف بثه.
المسلسل الدرامي الذي أخرجته المخرجة سوسن الجمني يُصور حياة طلاب إحدى المدارس الثانوية بالعاصمة، بشكل وُصف بـ”المسيء”، من خلال معالجته لمواضيع “انحراف الشباب والعلاقات المتوترة بين التلاميذ والأساتذة وأسرهم، بالإضافة إلى انتشار تعاطي المخدرات والعنف في الفضاءات التعليمية”، بحسب وسائل إعلام تونسية.
وعرضت قناة “الحوار” التونسية، الخميس، الحلقة الأولى من المسلسل، الذي يحمل اسم مدينة الفلوجة العراقية، التي اشتهرت خلال “حرب العراق”، وأصبح اسمها يُستخدم مجازاً بين التونسيين للتعبير عن “الدمار والخراب”، بحسب موقع تونيسكوب.
وخُصصت الحلقة الأولى لإبراز المصاعب التي واجهت أستاذة في التعامل مع تلاميذ الفصل، الذين كتبوا على سيارتها بالإنجليزية “مرحبا في فلّوجة”، ما أثار غضبها، كذلك يتطرق إلى ظاهرة بيع وتوزيع الأقراص المخدرة للتلاميذ من قِبل منحرفين، وهي ظاهرة موجودة في المدارس التونسية.
وأثار تلفزيون “الحوار التونسي” جدلاً واسعاً حول المسلسلات التي أنتجها وبثها خلال شهر رمضان، في السنوات الأخيرة، بسبب طرحه مواضيع حساسة في المجتمع التونسي.
وقال وزير التربية محمد علي البوغديري، في تصريحات لمحطة إذاعية خاصة: “ستُتخذ كل الإجراءات لإيقاف المهزلة التي أساءت للعائلات”. وانتقد البوغديري الحلقة الأولى من المسلسل، واعتبره “عملاً سيئاً لأبعد الحدود، ضرب الأسرة التربوية في العمق”.
في غضون ذلك، تقدّم محاميان تونسيان بعريضة إلى القضاء لوقف بث هذا الإنتاج الدرامي “الذي يتعمّد ضرب الأخلاق والتربية، من خلال تعمّد نشر البذاءة… لإفساد عقلية جيل الغد”، وفقاً لنص الطلب الذي تقدم به صابر بن عمّار، وحسن عز الدين الدياب، إلى المحكمة.
من جانبها، دعت “الجامعة العامة للتعليم الثانوي”، وهي من أكبر النقابات التعليمية التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل، إلى فتح تحقيق في منح ترخيص من وزارة التربية لتصوير هذا المسلسل “الذي تعدى على حرمة المدرسة ورمزيتها… وشوه صورة التلاميذ”.
وأثار الكاتب العام لهذه النقابة، الأسعد اليعقوبي، الجدل، بعد أن كتب منشوراً عبر صفحته على فيسبوك، أكد فيه أن “وزارة التربية وقَّعت عقداً مع صاحب القناة، وسمحت بتصوير مسلسل فلوجة… مقابل التبرع ببعض أثاث التصوير للمعهد”.
بالمقابل، دافع عدد من المتابعين عن العمل الدرامي، معتبرين أنه يصور “واقع المؤسسسات التعليمية بتونس”، مبدين رفضهم للردود التي أعقبت البث.
في هذا الجانب، انتقد أستاذ الفلسفة، محمد أبو هاشم محجوب، ما وصفها بـ”ردود الفعل الحينية”، مشيراً إلى أن “الطبيعي ألا يكون الحكم على أي عمل فني قبل استكماله، أو على الأقل قبل معرفة جزء هام منه”.
وأضاف محجوب في تدوينة على فيسبوك، أنه “كلما افتضح أمر المدرسة تعالت الألسن بالسباب والشتائم”، مردفاً: “العيب فينا نحن جميعاً: مربين وأولياء وشباب متعلمين، ولوبيات للمخدرات تستغل دون ضمير واقعاً عائلياً واجتماعياً خالياً من كل شعور بالمسؤولية…”، وتابع أن المسلسل “حسب حلقته الأولى فقط لا يقول الحقيقة، ولعله لا يقول حتى نصفها أو ربعها”.
من جانبه، قال الإعلامي التونسي سامي الوافي، إن “المعاهد أصبحت سوقاً لترويج المخدرات، بشهادة الجمعيات والمنظمات، وبأرقام وإحصاءات المؤسسات الاجتماعية”.