في روايته الجديدة (تمبايين)، يتوغل الكاتب التونسي نصر بالحاج بالطيب في عمق الصحراء، يقتفي أثر الأسطورة والخرافة والحكايات الشعبية، يرصّعها بأسلوب سردي ممتع، ليرسم مسيرة الإنسان ومصيره في رحلة التيه المتكررة بين الميلاد والممات.
وفي روايته الصادرة عن دار نقوش عربية في 161 صفحة من الحجم المتوسط، يمضي الطبيب والكاتب بالحاج بالطيب في رحلة صحراوية خيالية يشخّص فيها آفات الإنسان الذي لا يتعلم من الأخطاء والخطايا، بل يكررها.
ويؤسس الكاتب لهذه الفكرة منذ السطور الأولى فيقول في المقدمة ” كل اقتباس أو تشابه أو تناص مع أحداث التاريخ أو الخرافة أو الأسطورة مقصود، فالإنسان يعيد نفسه ويكررها في السطو والطمع والتعطش للدماء، لا فرق في ذلك بين أُمّة وأُمّة وبين عصر وعصر”.
وربما كان للريح أن تطمس الآثار من سطح الرمال وتمحوها، لكن ليس بوسع الإنسان أن يزيح الآثام من صفحات وجوده لأنه ببساطة يقتفي آثارها ويُحييها.
يفتتح بالحاج بالطيب روايته قائلا “إن أشد الآفات فتكا الريح والطاعون والقحط والنسيان. تتالت غزوات ريح الحسوم أياما وليالي تثير الرمال لوالب وتطمس الآثار وذكرى الأسلاف ورفات الأمس. لم يبق للبدو إلا الرسوم الدارسة. أما تراثهم ورحيقهم فمحمولان في صدورهم على ظهور الشعر في جراب الحكي، وفي كف رماد المواقع المنسية”.
تبدأ الرواية عندما أرسل عمر الكوني ابنيه طارق ومحمود مع خبير الصحراء ومقتفي الآثار العيدي الصابري للبحث عن أحد جماله الذي تاه وسط الصحراء.
وبأسلوب ممتع مزج فيه الأسطورة والخرافة الشعبية والحكايات المروية والفنتازيا والشعر يصف رحلة البحث عن الجمل، فيتوغل الشابان في الصحراء يكتشفان عوالم ساحرة بحيواناتها العجيبة وكائناتها الغريبة.
وفي روايته يلجأ الكاتب إلى الرموز والتلميحات، لكنها لا تخلو في بعض الأحيان من المباشرة، ليطرح قضية غربة الإنسان وحالة التيه التي يعيشها أمام محاولات طمس هويته.
يقول “لا يملك التائهون غير التوسل مدركين أن الحياة جديرة بالدفاع عنها وبالتيه في سبيلها والتيه في أغوارها”.
ويقول الكاتب لرويترز “الرواية رحلة حياة بين الولادة والموت وما بينهما من حب وكراهية وحقد وهزيمة وانتصار وصراع مع الموروث وتيه أجيال”.
ويتوغل الشابان بصحبة مقتفي الآثار في قلب الصحراء ليصلوا إلى قرية تقع على سفح جبل تمبايين حيث تدور القصة الرئيسية للرواية التي انتزعها الكاتب من ثنايا الزمن الغابر.
“تمبايين لؤلؤة الرمل مصفى العسل وباب القمح ونسائم القز عنقود صخب وغناء مكنون في محيط من ذهول وصمت”.
وتتنعم القرية في صفاء الصحراء يعيش أهلها في سلام يأتيهم رزقهم رغدا لكن المنحة تنقلب إلى محنة عندما تثير أطماع المستعمر الفرنسي فيلجأ الى حبك الدسائس ورسم المؤامرات وزرع الفتنة واستعمال الوشاة بين سكان الصحراء من طوارق وعرب وأمازيغ للاستيلاء عليها بعد أن عجز عن دخولها بالقوة.
وبأسلوب ملحمي، يرسم الكاتب كفاح أهل تمبايين بقيادة بطلهم علي المحمودي الملقب آهار في الدفاع عن قريتهم قبل أن يتجرع خيانة ابن عمه فتسقط القرية في يد المستعمر.
ويركب الرائي جواد خياله ليشق رمال الصحراء يقتفي آثار الإنسان الذي يكرر مآسيه في محبته وكراهيته وفي تضحيته وخيانته وفي جشعه وعطائه في كل زمان ومكان.
و(تمبايين) ثالث روايات الطبيب والكاتب نصر بالحاج بالطيب بعد (الأيام الحافية) و(انكسار الظل) إضافة إلى مجموعتين قصصيتين هما (زعفران) و(منكر يا شجرة).