على الرغم من أن الفتاة المصرية النوبية جهاد أشرف (28 عاما) نشأت في مدينة أسوان بجنوب مصر، حيث عاش أسلافها منذ ألوف السنين، فإنها لا تستطيع أن تتكلم سوى خمس كلمات فقط بلغتها الأم، النوبية.
وتقول جهاد إنها مثل ألوف غيرها من شباب جيلها، لم تتعلم التحدث بالنوبية خوفا من النبذ أو التنمر. لكن عندما انتقلت إلى القاهرة قبل بضع سنوات لتحصل على درجة الماجستير في القانون، قررت جهاد أن تتعلم اللغة النوبية.
وبعد أن أنهت دورة لتعلم اللغة مع معلمتها خيرية موسى، أسست جهاد مع مجموعة من زملائها مبادرة (نوبي كورو) لنشر اللغة النوبية عن طريق الغناء.
وقالت جهاد لتلفزيون رويترز “اسمي جهاد أشرف، عندي 28 سنة، أنا عضو مؤسس في مبادرة نوبي كورو”.
ويجتمع مؤسسو المبادرة أسبوعيا ليدرسوا ألحان أغنية نوبية بعينها ثم يغنوها معا لتعلم اللغة، ويقولون إنهم يرحبون بانضمام النوبيين وغير النوبيين لهم.
أضافت جهاد “كلنا عندنا الشغف ده، كلنا عايزين نتعلم اللغة بتاعتنا، كلنا غيرانين ع اللغة بتاعتنا إن هي قربت تندثر، اللغة النوبية للأسف، للأسف قربت تندثر. الجيل اللي طالع اللي هو عنده 14 سنة و13 سنة ونازل مفيش، مفيش، حتى القرى دلوقتي مبقوش يعلموا الأطفال زي زمان. زمان الأطفال كانوا بيتعلموا اللغة النوبية قبل ما بيتعلموا اللغة العربية، دلوقتي الموضوع للأسف مبقاش كده”.
ومعلوم أن النوبيين ينتمون لأقلية عرقية عاشت في جنوب مصر منذ آلاف السنين. ومنذ عام 1964، مع إنشاء السد العالي، في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، نزح النوبيون من ديارهم.
فقد غمرت المياه بيوتهم لإفساح المجال لبناء السد واضطر سكانها لإعادة التوطين.
وينص أحدث دستور مصري، الذي صدر عام 2014، على أنه يجب على الدولة العمل على إعادة توطين النوبيين في أراضيهم الأصلية في غضون عشر سنوات.
وقد شهدت معلمة جهاد، خيرية موسى، عمليات تهجير النوبيين في حقبة ستينيات القرن الماضي عندما كانت طفلة قبل أن تنتقل للقاهرة مع أسرتها.
وقالت خيرية موسى لتلفزيون رويترز “لما اتهجرنا، طبعا أن شهدت التهجير كله وشفت البواخر اللي إحنا جينا فيها وبعدين جينا في القرية النوبة الجديدة، دخلت المدرسة هنا بقه. إحنا في البدايات كنا محتفظين باللغة جدا، لكن لما دخلنا مدارس أهالينا كانوا خايفين إن إحنا نركز على اللغة النوبية فمنقدرش نفلح في المدارس، فكانوا دايما يحرموا علينا إن إحنا نتكلم نوبي، يمكن أقول إنه من هنا جت الاندثار”.
وحاليا لا يتحدث اللغة النوبية، التي كان يُعتقد لفترة طويلة أنها بلا أبجدية، سوى عدد قليل من النوبيين. لكن خيرية موسى تقول إن بعض الباحثين النوبيين نجحوا في العثور على مخطوطات نادرة لكتابات نوبية قديمة.
وفيما يتعلق بأحلامها المتعلقة بذلك تقول جهاد لتلفزيون رويترز “والله أنا أحلامي كتير قوي، أحلامي أنا وكل زمايلي في المبادرة إن الكتابة تنتشر. إحنا نفسنا إن كل النوبيين في مصر والسودان يتعلموا الكتابة عشان يوثقوا اللغة بتاعتهم قبل ما تندثر. كمان حلم من أحلامي إن إحنا ننزل القرى ونقعد مع الناس الكبيرة ونبتدي ناخد منهم الكلمات القديمة اللي دلوقتي بقت مُعربة جوه اللغة النوبية ونوثقها بالنوبي”.
وفي أسوان يجلس المرشد السياحي السابق محمد صبحي (72 عاما)،وهو معلم لغة نوبية حاليا ومؤسس متحف نوبي، مع أطفال صغار في متحفه حيث يعلمهم اللغة النوبية عن طريق أداء أغنيات نوبية مشهورة.
ويوضح صبحي السبب في تراجع اللغة النوبية فيما مضى قائلا لتلفزيون رويترز “لما كنا في المدارس كنا بنتكلم كده زي العربي بتاع الخواجات، فكنا مصدر تندر وسخرية من اللي هم مش نوبيين، طبعا لما كنا نيجي نتكلم عربي ونغلط فكانوا بيتريقوا علينا، فده خلى الواحد يكش، فمثلا أنا كنت شاطر في الرياضيات لكن لما يسأل المدرس السؤال باخاف أجاوب لحسن أقول كلمة فيها إيه، أذكر مؤنث أو أأنث مذكر يروحوا يضحكوا علي، فده خلى عندي نوع من الخوف. ده اللي خلاني بعد كده لما عيالي، منعتهم إن هم يتكلموا نوبي من صغرهم عشان خاطر ميمروش بالمصاعب اللي مريت بها في المدارس”.