فنانون وناشطون عراقيون في بغداد ومدن عدة يقودون حملة واسعة، للضغط على السلطات وثنيها عن تنفيذ قرار هدم أحد أهم مسارح العاصمة العراقية، مما دفع رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي إلى القول إن المسرح “سيكون ساحة لعمل الفنانين، وسندعمهم”.
ويقع “مسرح الرشيد” على مقربة من المنطقة الخضراء، في العاصمة بغداد.
وسُربت أخيراً وثيقة لوزارة الإسكان، تشير إلى أن المسرح مشيّد على أرض ليست مملوكة لوزارة الثقافة، وهي الحجة التي استندت الوزارة إليها في قضية هدم المبنى الذي يتجاوز عمره 40 عاماً.
المسرح ظل مهملاً بعد تعرّضه للتخريب والسرقة عقب الغزو الأميركي للعراق عام 2003، ثم أعيد افتتاحه بتبرعات ومساعدات من منظمات وجهات مهتمة بالحركة الفنية في العراق، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، واستأنف أنشطته المسرحية والفنية، لكن القرار الأخير لوزارة الإسكان ينذر بإغلاقه.
واليوم الثلاثاء، وجهت نقابة الفنانين العراقيين رسالة إلى الحكومة، تطالبها فيها بالعدول عن قرار تدمير المسرح.
وقال الفنانون في بيانهم: “في الوقت الذي استبشرنا كفنانين ومثقفين عراقيين، ومعنا الأشقاء العرب، بعودة الحياة إلى مسرح الرشيد الذي شهدت خشبته أهم العروض والمهرجانات المسرحية العراقية والعربية والدولية، وبينما كنا ننتظر إكمال صروح فنية جديدة، كمدن الثقافة ودار الأوبرا، تفاجأنا بقرار وزارة الإعمار والإسكان بالمطالبة بوضع يدها على هذا الصرح الثقافي العراقي الكبير”.
وأضافت النقابة: “إننا كنقابة الفنانين العراقيين، إذ نتفهم التداخل في العمل بين وزارات الدولة العراقية، وبغضّ النظر عن صحة الإجراءات القانونية التي قامت بها وزارة الإعمار والإسكان، نأمل من كل الجهات الحكومية والسياسية، وعلى أعلى المستويات، التدخل الفوري لحسم ملف مسرح الرشيد بما يضمن وضعه الحالي، من خلال نقل ملكيته من وزارة الإعمار والإسكان إلى وزارة الثقافة، وبقاء دائرة السينما والمسرح الجهة المسؤولة عن إدارة ونشاطات المسرح الذي سيشهد خلال العام الحالي نشاطات على مستوى دولي رفيع يليق بمكانة الثقافة العراقية”.
كما نظم فنانون عراقيون اليوم وقفة ناشدوا فيها بالحفاظ على المسرح، مهددين بأنهم سيكونون دروعاً بشرية أمام عملية هدمه.
وقال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، اليوم الثلاثاء، في كلمة له على هامش اجتماع للمجلس، إن “مسرح الرشيد سيكون ساحة لعمل الفنانين وسندعمهم، وما أثير عن ملكية المسرح هو اجتهاد روتيني من دوائر الدولة”.
وأضاف الكاظمي: “لا يجب التعاطي مع هكذا حالة من منطلق خلق اليأس والإحباط”، من دون أن يتطرق إلى مطالبات نقل ملكية المسرح إلى وزارة الثقافة، كما دعا إلى ذلك الفنانون العراقيون.
إلى ذلك، قال الممثل العراقي إياد راضي إن “مسرح الرشيد يحمل ذكريات كثيرة لأغلب الفنانين، خصوصا قامات الفن العراقي التي وقفت على خشبته على مدى أكثر من 40 عاماً”. ووصف القرار بأنه “نوع من أنواع الخراب المتعمد الذي يحصل في البلاد الآن”، مستغرباً “مطالبة وزارة الإسكان بإزالة هذا الصرح الفني في هذا الوقت، بعدما بقي مهملاً طوال السنوات الـ18 الماضية، قبل إعادة افتتاحه أخيراً”.
وأضاف راضي، في تصريحات أوردتها الثلاثاء صحيفة “العالم الجديد” العراقية: “نسمع اليوم في العراق الكثير من الأحداث والأخبار التي لا تمت إلى الواقع أو إلى العقل بصلة، ولكن تعوّدنا ألا نستغرب، لأن الصدمات كثيرة، وكل يوم نستمع إلى أعجب العجائب”، مبينا: “عندما تضعف سلطة الدولة تبرز وتطفو إلى السطح جميع القضايا التي لها علاقة بضعف وشلل القانون، ولذلك نجد من يستغل هذا الانفلات القانوني لتمرير مشاريعه غير القانونية، وهذا ما يحصل الآن جراء عدم وجود نظام حقيقي يعيد لهذا البلد هيبته وقانونه”.
واعتبرت الممثلة المسرحية عواطف نعيم أن “الحكومة عندما تقاعست عن إعادة إعمار وتأهيل مبنى مسرح الرشيد، قلت إن هناك من يسعى لتحويله إلى مركز تجاري، وستبين لنا الأيام ذلك، وما هذا التجاهل من قبل المسؤولين لمبنى المسرح إلا دليل على ذلك”.
وأضافت نعيم، في تصريحات للإعلام المحلي: “السؤال هو من صاحب الأرض الذي يدّعي امتلاكها؟ وأين كان كل هذه السنوات؟ وهل من بنى مسرح الرشيد كان يجهل أن الأرض لها صاحب لم تعوضه الدولة حينها عن حقوقه؟ ولماذا تم طلب الإزالة بعد أن قام أبناء المسرح بإعماره وتأهيله، وعاد ليقدم العروض والفعاليات، واتجهت الأنظار إليه كحاضنة للفنون والثقافة؟”.
وأكدت: “سنكون أمام مسرح الرشيد لندافع عنه، فقد مللنا التلاعب بمقدراتنا وحقوقنا وتهميشنا تحت أي ذريعة”.
وتأسس “مسرح الرشيد” عام 1981، بتصميم وبناء من قبل شركة فرنسية متخصصة، ويعتبر من أهم المسارح في بغداد وأكبرها، ويضم قاعات كبيرة للأزياء والإكسسوارات والملابس، ومعدات خاصة بالمؤثرات المسرحية والسينوغرافيا، وخشبة مسرح دوار، ويتكون المبنى من تسع طبقات وصالة عرض تتسع لنحو 650 شخصاً.
وأعيد افتتاح المسرح، لأول مرة منذ 2003، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بالتزامن مع فعاليات “مهرجان بغداد الدولي للمسرح” التي أقيمت بين 20 و26 من ذلك الشهر. وحضر حفل الافتتاح فنانون عرب كرموا على خشبة “مسرح الرشيد”.