كثيرة هي الأخبار الصحفية الغريبة التي حفزت الكتاب على تحويلها إلى عمل إبداعي روائي أو قصصي، خاصة حوادث الجريمة والسرقة والأخبار ذات الطابع الغرائبي والتي تتضمن مفارقة ودهشة غير معهودة.
لكن الروائي الشهير غارسيا ماركيز «1927 – 2014»، الحائز جائزة نوبل للأدب عام 1982، قام بكتابة عمل أقرب إلى الرواية القصيرة من خلال لقائه ببطل قصة حقيقية، وهو بحار نجا من الموت المحقق غرقاً في حادثة تحطم سفينة مات كل ركابها ما عدا ذلك الرجل، ومن فرط فرحته بنجاته أخذ البحار يحدث كل الناس بقصته، لذلك عندما وصل إلى الصحيفة التي يعمل فيها ماركيز من أجل سرد التفاصيل، كان الخبر قد فقد قيمته الصحفية، إذ صار الجميع على علم بما جرى، ولكن على الرغم من ذلك قام ماركيز باستقبال البحار وجلس معه، وبدأ يبحث عن أشياء أخرى فاكتشف الفضيحة الكبرى المرتبطة بالتهريب، والتي كانت وراء حادثة الغرق، ووجد ماركيز أن تلك القصة أقرب إلى الحكاية، لأنها عبارة عن نقل منظم لتجربة شخصية واقعية، تروي بقية المشكلة عن طريق الشخص الوحيد الذي عاشها، فصاغها ماركيز للصحيفة في شكل تحقيق صحفي، بينما استثمر أجواء الواقعة وتفاصيلها لينسج منها تفاصيل واحدة من أهم أعماله القصصية «أجمل غريق في العالم».
والقصة هنا، تتحدث عن واقعة حدثت في قرية، وذلك عندما أتت المياه بجثة رجل غريق إلى الشاطئ، ومن هنا تبدأ التفاصيل الغريبة، فقد جاء رجال القرية وحملوا جثمان الغريق إلى أول بيتٍ، وعندما وضعوا الجثةَ على الأرضِ وجدوا أنها أطول من قامة كل الرجال في القرية، إلى درجة أن بعض من حملوا الجثمان ذكروا أنهم أحسّوا وكأنهم كانوا يحملون جثةَ حصان، كان أثقل وزناً من كل الموتى الذين عرفوهم قبل ذلك، إلى درجة أنهم ظنوا أنه ربما تطول قامات الغرقى بعد موتهم.
وتكمن جماليات القصة في ذلك الخيال الذي كان أقرب إلى الشطح، خاصة في تلك المقدمة التي حملت وصفاً عجيباً عن الرجل الغريق والتي تقول: «ظنّه الأطفال لمّا رأوه أول مرة، أنه سفينة من سفن الأعداء. كان مثلَ رعنٍ أسود في البحرِ يقترب منهم شيئاً فشيئاً. لاحظ الصبيةُ أنه لا يحمل راية ولا صارياً فظنوا حينئذٍ أنه حوتٌ كبير، ولكن حين وصل إلى ترابِ الشاطئ وحوّلوا عنه طحالبَ السرجسِ وأليافَ المدوز والأسماكَ التّي كانت تغطيهِ تبيّن لهم أنّه غريق».
ثم تنتقل القصة إلى سرد المشاعر الغريبة التي انتابت كل أهل القرية تجاه الرجل الغريق الذي أطلقوا عليه اسم استبان، فقد بكينه النساء وتأسفن على جماله، واحتار الرجال فيما سيفعلونه تجاه تلك الجثة الغريبة، وراحت الاستفهامات تكثر حول أصله ومن أين جاء، وكيف يكون الحال لو أنه قد عاش بينهم؟ وغيرها من الأسئلة التي شغلت سكان القرية طويلاً قبل أن يقرروا أن يلقوا بالجثة عبر الجرف دون مرساة، لكي تعود إليهم كيفما تشاء!، لكن أشياء كثيرة تغيرت في القرية التي حملت اسم الغريق.
القصة الشهيرة رسخت كذلك في أذهان القراء، وتجد اليوم إقبالاً كبيراً بفضل الحوادث المتواترة التي ترد عن غرق المراكب والسفن التي تحمل اللاجئين والمهاجرين، والتي صارت من أكثر الأخبار وروداً في وكالات الإعلام المختلفة.