عقب نكسة يونيو/حزيران 1967، واجهت سيدة الغناء العربي أم كلثوم بعض الاتهامات أن أغانيها المفعمة بالحب والوله والغرام كانت مخدرا تسبب في الهزيمة، مما دفعها للتفكير جديا في الاعتزال بعد مسيرة حافلة اعتلت فيها قمة الغناء العربي.

لكنها لم تلبث أن قررت بعد تلقيها اتصالا من الرئاسة أن ترفع شعار “الفن من أجل المجهود الحربي”، وتسابقت مع الفنانين لإحياء الحفلات وجمع التبرعات.

قامت أم كلثوم -التي تحل ذكرى ميلادها في 31 ديسمبر/كانون الأول 1898- بجولات محلية في دمنهور والإسكندرية والمنصورة وطنطا، ووصلت إيرادات حفل دمنهور لـ80 ألف جنيه مصري، رغم أن إيراداتها في الأوقات العادية لم تكن تتجاوز 18 ألفا، كما وصلت إيرادات حفل الإسكندرية إلى 100 ألف جنيه، وجمعت 125 ألفا في حفل المنصورة، و284 ألف في طنطا وفقا لمجلة “روز اليوسف“.

حفل باريس

من بين حفلات أم كلثوم في الخارج، يبقى حفل باريس أهم وأشهر هذه الحفلات، حيث بدأت أم كلثوم زيارتها لباريس في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1967، عقب أشهر قليلة من النكسة.

واهتمت الصحافة الفرنسية بحفل أم كلثوم، ووصفتها بأغلى مطربة في العالم، وأنها حققت لمسرح الأولمبيا أكبر دخل في تاريخه الطويل.

ويحكي الدكتور علي السمان رئيس الاتحاد العالمي لحوار وثقافات الأديان أن أم كلثوم قالت له “إنها حضرت إلى باريس لأنه واجب وطني، وكلنا جنود في معركة واحدة، ولن نترك مصر أبدا فريسة لأي عدوان أو استعمار مهما كانت قوته، وسنضحي بأرواحنا من أجل وطننا”، وأنها طلبت منه كتابة رسالة للرئيس الفرنسي شارل ديغول يحييه لموقفه الشجاع بعدم تأييد أميركا أو إسرائيل في عدوانهما على مصر، ووقعت عليها بـ”أم كلثوم مواطنة مصرية”.

ويواصل السمان -في حديثه لجريدة الأهرام– أن ديغول أرسل مبعوثا من قصر الرئاسة إلى أم كلثوم، وقال لها وهو يحييها لوجودها في باريس ويقول لها “أنت ضمير أمة”، وسلمها رسالة من الرئيس ديغول كتبها بترلان، أشهر مناضل فرنسي ضد الاحتلال الألماني بخط يده، وعلم بعدها أن دعوة أم كلثوم لفرنسا جاءت بمبادرة من ديغول، الذي قال وقتها لمعاونيه “لقد خرج العرب بعد هزيمة 67 بمأساة وأريد من أم كلثوم رفع معنويات العرب في فرنسا”.

جواز سفر دبلوماسي

جمعت أم كلثوم في حفل مسرح الأولمبيا 212 ألف جنيه إسترليني، وواصلت جولاتها في الكويت وأبوظبي ولبنان وباكستان وتونس بحضور بورقيبة، وفى المغرب بحضور الملك الحسن الثاني، وبالخرطوم بحضور كل القيادات السودانية وفي البحرين والعراق وليبيا.

وبحلول العام 1970 جمعت أم كلثوم 3 ملايين دولار، بعد جولات طويلة وشاقة رغم أنها كانت قد تجاوزت الـ70 من عمرها، وفق جريدة الأهرام.

ونتيجة لمجهوداتها الكبيرة، أرسل جمال عبد الناصر لها جواز سفر دبلوماسيا، ومعه رسالة قال فيها إن أم كلثوم أعظم سفير لمصر في العالم، ومنحها جائزة الدولة التقديرية.

وفي لقاء مع التلفزيون السوداني عام 1968، أكدت أم كلثوم أنها رأت أنه واجب على كل مواطن أن يقوم بدوره نحو وطنه بعد “نكسة يونيو”، وأنها تقوم بدورها، وقالت إنها شعرت بأن كل الشعوب العربية متقاربة، وكانت تشعر دائما في جولاتها كأنها تغني في القاهرة.

أبناء المهجرين

كانت أم كثوم سببا في تبرع صحفيي جريدة الأهرام بمبلغ 1240 جنيها كعيديات لأبناء المهجرين، حيث حضرت لزيارة مقر الأهرام عام 1970، ودخلت مكتب توفيق الحكيم، فتهلل وجهه ووقف محيّيا لها، واحتار في سبب زيارتها له في مكتبه، حتى قالت له “أنا بجمع تبرعات نهديها عيديات لأبناء المهجرين في العيد ده، وكل سنة وأنت طيب”.

ونزلت أم كلثوم مع الحكيم يسيران في أروقة الأهرام، وجمعت التبرعات من صحفيي مؤسسة الأهرام، ليتسابق كبار وصغار الصحفيين إلى المشاركة في حضرة سيدة الغناء العربي.