“يا فؤادي رحم الله الهوى.. كان صرحا من خيال فهوى.. اسقني واشرب على أطلاله.. وارو عني طالما الدمع روى.. كيف ذاك الحب أمسى خبرا.. وحديثا من أحاديث الجوى”.

هذه الأبيات الشعرية استهلّ بها الشاعر الكبير إبراهيم ناجي (ولد في 31 ديسمبر/كانون الأول 1898) قصيدته الشهيرة، التي أنشدتها أم كلثوم في أغنيتها “الأطلال” بألحان رياض السنباطي، ليعدّها النقاد واحدة من أروع الأغاني العربية.

 

وكشفت حفيدته أستاذة الأدب العربي سامية محرز عن بعض من أسراره ووثائقه الخاصة في كتابها “إبراهيم ناجي.. زيارة حميمة تأخرت كثيرا”.

وتعمل محرز أستاذة للأدب العربي ومديرة لمركز دراسات الترجمة في الجامعة الأميركية بالقاهرة، وأصدرت مجموعة كتب باللغة الإنجليزية.

ووفقا لصحيفة اليوم السابع المصرية، فقد كان ناجي يذهب إلى فيلا أم كلثوم في حي الزمالك يعرض عليها قصائده، وحاول إقناعها بغناء “الأطلال”، لكن اندلاع ثورة يوليو/تموز 1952 عطل مشروع هذه القصيدة، لتغنيها أم كلثوم بعد رحيله بسنوات عديدة.

وتقول محرز لصحيفة الأهرام إن أم كلثوم كانت تقول لناجي “أنت شعرك ما يتغناش يا ناجي”، فقد كانت قصيدة الأطلال 134 بيتا ولا تصلح للغناء، لذلك كان لا بد من تدخّل الشاعر أحمد رامي ليصنع أيقونة “الأطلال” كما غنّتها أم كلثوم.

استعانت أم كلثوم بأحمد رامي ليبدل بعض كلمات القصيدة، مثل قولها “يا فؤادي لا تسل أين الهوى”، وفي الأصل “يا فؤادي رحم الله الهوى”، وأيضا اختار 7 أبيات من قصيدة “الوداع” لناجي بدءا من بيت “هل رأى الحب سكارى مثلنا؟” حتى “وإذا الأحباب كل في طريق”.

 

من ملهمة الأطلال؟

في سهرة تلفزيونية سألت المذيعة الفنانة زوزو ماضي إذا كان ناجي قد كتب قصيدة “الأطلال”، فردّت ماضي بأن “الأطلال” ليست أروع ما كتب ناجي، لكن أم كلثوم هي التي ساعدت في التعريف به وقدمته إلى الجماهير.

وتحكي ماضي أن ناجي كان يكتب أبيات شعره في وصفات طبية، وكان طبيبا إنسانا، لا يأخذ الأجر من أغلب مرضاه، وكان بارًّا بالناس وأصدقائه، وكان الناس يرحبون به أينما ذهب.

شاعر وجداني

عرف عن ناجي شعره الوجداني الذي يعبّر في معظمه عن نزوع فردي رومانسي حزين، فشعره ذاتي يكاد يكون خالصا للحب والوجدان، بل للقهر والحرمان، فهو يعبّر عن حب محروم، ويصدر عن رؤية متشائمة ونظرة حزينة وروح مكتئبة، حسب الناقد أحمد زياد.

وكما نرى في شعره، يحب ناجي الحديث عن فراق الأحبّة كما يقول في قصيدته “صخرة الملتقى”:

سألتك يا صخرة الملتقى متى يجمع الدهر ما فرّقا
إذا نشر الغرب أثوابه وأطلق في النفس ما أطلقا
أريك مشيب الفؤاد الشهيد والشيب ما كلّل المفرقا

كما يقول في مطلع قصيدته “الوداع”:

حان حرماني وناداني النذير

ما الذي أعدَدْت لي قبل المسير؟

زمني ضاع وما أنصفتني

زادي الأول كالزاد الأخير

خفة ظل

يحكى أن ناجي عرف بخفة دمه، وورث هذه الصفة عن أمه التي كانت تتمتع بخفة ظل محببة إلى النفس، كما عرفت عنه براعة النكتة وحضور الذهن.

واجه ناجي كثيرا من النقد، إذ وصفه عميد الأدب العربي طه حسين بعد صدور ديوانه “وراء الغمام” بأنه أديب بين الأطباء وطبيب بين الأدباء، فردّ ناجي “أنا من هنا ورايح أكون طول النهار مع الدكتور طه حسين والدكتور طه بدوي عشان أحس إني أديب”.

تعلّق سامية محرز بأن جدّها لم يتوقع هذا النقد، وتوقف مدة عن كتابة الشعر، ثم صالحه طه حسين وكتب أن ناجي إذا كان شاعرا حقيقيا فلا بد ألا يؤثر عليه هذا النقد وأن يستمر.

وتضيف محرز -في حوار مع صحيفة الأهرام– أن النقد أثر في ناجي، فاتجه إلى الترجمة والمقال، وأنه دخل هذه المعركة دون أن ينتبه إليها.

وكما عاب بعض النقّاد على ناجي تركيزه على الشعر العاطفي الرومانسي وقصائد الهجر، يرى آخرون أنه لم يجمع كل قصائده، وأن إنتاجه الحقيقي أكبر من الدواوين الأربعة التي أصدرها، وهي: “وراء الغمام”، و”ليالى القاهرة”، و”في معبد الليل”، و”الطائر الجريح”، وأنه لم يهتم بحفظ شعره حتى وفاته في 27 مارس/آذار 1953.

زيارة حميمة تأخرت كثيرا

أصدرت حفيدته الدكتورة سامية محرز كتابها “إبراهيم ناجي.. زيارة حميمة تأخرت كثيرا” الشهر الماضي، وتناولت فيه شخصية جدها لأمها.

ورثت محرز عن خالتها أوراقا شخصية وخطابات ومسودات لقصائد ناجي وترجمات أدبية ومشاريع وكتبا غير مكتملة في الطب، منها وصفات طبية كان يكتب عليها مسودات قصائده.

تقول محرز إنها احتاجت أن تخوض مشوارا طويلا في حياتها العملية قبل أن تكتب عن جدها، وإنها جمعت مسودات كثيرة لقصائده، مثل مسودة قصيدة “الأطلال” الشهيرة، كما جمعت بعضا من أوراقه الخاصة التي مكّنتها من توثيق حياته، كما أنها نفت معلومات مغلوطة عن ناجي، مثل تلقيه التعليم في لندن.

ويقول الناقد محمود عبد الشكور إن ناجي كتب نصوصا لم تنشر، تنقل حياته والزمن الذي عاش فيه، مثل المدونات القصيرة وبعض المسودات لأعمال شعرية أو كتاب لم ينشر في الثقافة الصحية.

ورأى الناقد سيد محمود أن الكتاب استعرض الجانب العائلي في حياة ناجي، والقضايا الطبية التي شغلته، إلى جانب القضايا الاجتماعية ورغبته في تغيير المجتمع بوجه عام.