هل يكتشف العلماء، الذين يبحثون اليوم عن طرق لوقف الشيخوخة، ينبوع الشباب الدائم يوما ما، ويحققون حلم الإنسان الأبدي بالخلود؟ أم إن الجهود التي تبذل في مواجهة الشيخوخة، تظهر البشر في حرب خاسرة مسبقا مع الزمن، في محاولة لتقليل أضرار عمل السنين؟

قالت مجلة لوبس (L’Obs) الفرنسية إن المتخصصين في التنمية الشخصية وعلماء الشيخوخة والفلاسفة يستطيعون مساعدة الناس لتحمل تقلبات المرحلة الأخيرة من حياتهم، بالقول إن لكل مرحلة عمرية مزاياها، خاصة أن أساليب “إدامة الشباب” مجرد حيل تجميلية تهدف لتأخير ظهور ما لا مفر منه.

 

ويرى جان بول فريتز أن الشيخوخة دون ظهور التجاعيد ضرب من خيال في الوقت الحاضر، ومع ذلك، من المشروع أن نتساءل لماذا يعاني الإنسان من تدهور في الجسم يؤدي إلى “الشيخوخة” وهل هناك حل ما وهل الشيخوخة حتمية، أم أنها مرض مثل أي مرض آخر يمكننا تطوير علاجات له؟

ما هي الشيخوخة؟

ويتساءل الكاتب: هل هي التجاعيد وآلام المفاصل واشتعال الرأس شيبا مع قلة الحيوية؟ وأشار إلى أن ما نراه هنا في شخص كبير في السن مجرد عرض، وعلامات خارجية لعمليات معقدة، وإيجاد سبب واحد لهذه المظاهر يبدو لغزا حقيقيا، استسلم أمام حله العديد من المتخصصين، ولكن آخرين، وجهوا أصابع الاتهام إلى سلسلة من المعايير التي تفسر معا أننا نتقدم في السن.

بالنسبة لبعض العلماء، يعتبر العمر البيولوجي مقياسا لوظائف الخلية، وهو يختلف من شخص لآخر، وهذا ما يفسر أن أشخاصا بنفس العمر الزمني قد لا يكون لديهم نفس العمر البيولوجي، مما يعكس حالة شيخوخة الجسم التي تتدخل عوامل مختلفة في التأثير عليها.

 

خصائصها

وقدم كارلوس لوبيز أوتين، من قسم الكيمياء الحيوية والبيولوجيا الجزيئية بجامعة أوفييدو بإسبانيا، وزملاؤه تعريفا مرجعيا عام 2013، حددوا فيه 9 خصائص لهذا “التدهور الوظيفي المرتبط بمرور الزمن”:

1. عدم الاستقرار الجيني بسبب الطفرات المتراكمة في الحمض النووي.

2. قصر التيلوميرات، نهايات الكروموسومات التي يبدو أنها “تبلى” مع تقدم العمر، أو بالأحرى مع عدد الانقسامات الخلوية.

3. التغيرات المتعلقة بالوسط والتعديلات التي تحدث بين العوامل التي تنشط (أو لا تنشط) جينات الحمض النووي لدينا.

4. فقدان البروتيوستاز (protéostase) وهي آلية تنظم بروتينات الخلية، وعامل مهم في صحة الجسم.

5. تعطيل الآلية التي تسمح للخلايا بالكشف عن العناصر الغذائية، مثل الغلوكوز، وهي مرتبطة بهرمون النمو وكذلك بالأنسولين، وبالتالي السكري.

6. خلل في الميتوكوندريا (العناصر التي تساعد الخلايا على العمل).

7. الشيخوخة الخلوية (توقف بعض الخلايا القديمة عن الانقسام) ويمكن أن تتراكم في أنسجة معينة.

8. استنزاف الخلايا الجذعية التي تساهم في تنمية صحة الجسم والحفاظ عليها.

9. ضعف الاتصال بين الخلايا، ويمكن أن يسبب، من بين أمور أخرى، بعض الالتهابات.

 

لا غش مع تقدم السن

ويعتقد العديد من العلماء أن عملية الشيخوخة لا ترحم، يقول فرناندو كولشيرو، من جامعة جنوب الدانمارك، إن لكل نوع معدل شيخوخة ثابتا “لا يمكنك الغش مع التقدم في السن” مشيرا إلى أن زيادة متوسط ​​العمر المتوقع في البشر، مقارنة بعصر ما قبل الصناعة، ليس مردها إبطاء الشيخوخة، ولكن الحفاظ على أرواح المزيد من الأطفال والشباب.

ويشير الكاتب إلى أن دراسة حديثة قد حددت 150 عاما كحد أقصى لعمر الإنسان لا يمكن أبدا تجاوزه، بحيث لن يكون الجسم، بمجرد الوصول إلى “النقطة الحرجة” بين 120 و150 عاما، قادرا على التعافي من الإجهاد الناجم عن المرض أو الإصابة، وعندئذ يصبح الموت أمرا لا مفر منه.

العلاج ممكن

غير أن باحثين آخرين لا يرون هذا المصير حتميا، ومن أبرزهم الأستاذ الأسترالي ديفيد سينكلير، الذي يدرس علم الوراثة ويشارك في إدارة مركز بول غلين لأبحاث بيولوجيا العمر بكلية الطب جامعة هارفارد الأميركية، فهؤلاء لا يرون أنه بإمكاننا علاج الشيخوخة في المستقبل القريب فحسب، بل تأجيل الحد الأقصى النظري الذي يفترض استحالة تجاوزه.

وبالنسبة للبروفيسور سينكلير، هناك سبب واحد للشيخوخة وهو أصل كل الأسباب الأخرى، حتى أن “الخصائص التسع” مجرد أعراض كالتجاعيد وآلام المفاصل أو الأمراض المرتبطة بالشيخوخة مثل ألزهايمر، يقول “لا يوجد قانون بيولوجي يقول إنه يتعين علينا أن نتقدم في السن، فالشيخوخة مرض، وهي أم جميع الأمراض الأخرى، وفصل السن عن المرض يحجب الحقيقة حول كيفية وصولنا إلى نهاية حياتنا”.

 

جينات الشباب

ومع ذلك -يقول الكاتب- إن جذور هذا الشر ليست موجودة مباشرة في كروموسوماتنا، ولكن في العمليات التي تجعل جسمنا ينشط أو يعطل جينا معينا، بناء على التغييرات في بيئتنا، غير أن منظمي موروثنا، بينهم فئة من البروتينات، يلعبون دورا في كل من الحفاظ على “إيقاف” جينات معينة وإصلاح تلف الحمض النووي.

وقد لا يكون لدينا منها ما يكفي في سن معينة، مما يترتب عليه أن تعود جينات كانت موقفة للعمل، مما يكون نشازا في جيناتنا، وينشط وظائف كان ينبغي تركها خاملة أو يعطل أخرى كان ينبغي أن تبقى قيد التشغيل.

يعود سينكلير فيقول “بمرور الوقت، تنشط الجينات الخاطئة في الوقت الخطأ وفي المكان الخطأ. إنه فقدان المعلومات التي تأخذنا جميعا إلى عالم من أمراض القلب والسرطان والألم والضعف فالموت”.

ويرى عالم الوراثة وفريقه أن “ما نحتاج إلى إيجاده هو كيفية تنظيم هذه الجينات وجعلها أكثر نشاطا” لأننا إذا تمكنا من القيام بذلك “قد نتمكن من تأخير جميع الأمراض التي لدينا مع تقدمنا ​​في السن، وربما حتى عكس مسار الشيخوخة”.

3 سنوات مكتسبة

وفي انتظار علاج ضد الشيخوخة، يحاول البعض إبطاءها بطرق مختلفة، من بين الأكثر شعبية منها النظام الغذائي، بحيث يكثر الحديث عن الأطعمة التي يمكن أن تحارب “الجذور الحرة” تلك العوامل التي تتم مكافحتها بمضادات الأكسدة، إلا أن هذه الأنظمة الغذائية لها تأثير هامشي فقط، كما يقول الكاتب.

ومع ذلك، تؤكد دراسة نشرت في أبريل/نيسان الماضي بالمجلة المتخصصة “الشيخوخة” أنه يمكننا تقليل عمرنا البيولوجي بأكثر من 3 سنوات في 8 أسابيع فقط، وذلك بتبني نظام غذائي ونمط حياة من شأنه أن يعمل على مثيلة الحمض النووي، وقد اتبع 43 شخصا بالغا هذه الوصفة شبه المعجزة، حيث شاركوا في تجربة برنامج يركز على الطعام والنوم والتمارين والاسترخاء.

 

الأكسجين لإطالة العمر

ليس الأكسجين دواء، ولكنه علاج، حظي باهتمام عالمي العام الماضي، عندما تمكن علماء من “علاج” مظاهر الشيخوخة باستخدام بالأكسجين، بحيث تلقت مجموعة من 35 متطوعا فوق سن 64 عاما العلاج اليومي في غرفة مضغوطة، يستنشقون الأكسجين النقي، فكانت النتيجة زيادة طول التيلوميرات في نهاية جيناتهم بأكثر من 20%، وانخفاض عدد الخلايا الشائخة في أجسامهم بنسبة 10 إلى 37%، ولكن هؤلاء الأشخاص لم يستعيدوا اللياقة البدنية كما في العشرينات من العمر، ولكن التجربة كانت واعدة.

من جهة أخرى، طور فريق مارتا بوبلوكا (Marta Poblocka) -من جامعة ليستر بإنجلترا- طريقة لإزالة الخلايا القديمة من أنسجة الجسم، مما يؤدي إلى إبطاء عملية الشيخوخة، باستخدام جسم مضاد يتعرف على البروتينات الموجودة على سطح الخلايا الشائخة ويلتصق بها، ويضع دواءً يقضي عليها دون التأثير على باقي الجسم، يقول الدكتور سلفادور ماكيب، المؤلف المشارك بهذا العمل “لدينا الآن دواء قائم على الأجسام المضادة يمكن استخدامه للمساعدة في إبطاء شيخوخة الخلايا لدى البشر”.

وقبل بضع سنوات، صنعت إليزابيث باريش شهرة لنفسها من خلال إدارة العلاج الجيني الذي طورته شركة التكنولوجيا الحيوية بيوفيفا (Bioviva) التي تملكها، بحيث كان الغرض من هذه التجربة هو العمل على كتلة عضلاتها التي تتناقص مع تقدم العمر وعلى تقصير التيلوميرات، وقد بدت النتيجة المعلنة واعدة، ولكن الأساليب التي تستخدمها الشركة اليوم موضع شك، خاصة أنه لم يتم التحقق من تقنيتها التي تقول إنها ستزيد “بشكل كبير” من طول العمر وتقلل من المظاهر المرتبطة بالشيخوخة.

قضية اقتصادية

الشيخوخة ليست مرضا تجب مكافحته فحسب، بل هي أيضا قضية اقتصادية كبيرة -حسب الكاتب- وقد نشرت دراسة هذا الصيف حددت المكاسب المحتملة من إبطاء الشيخوخة، بنحو 38 تريليون دولار مقابل كل عام يزداد به العمر، يقول أندرو سكوت من قسم الاقتصاد في كلية لندن للأعمال وزملاؤه “إن استهداف الشيخوخة يوفر مكاسب اقتصادية محتملة أكبر من القضاء على المرض بشكل فردي”.

ومع ذلك، فإن معاملة الشيخوخة كمرض خطوة كبيرة يجب اتخاذها، وقد تقلب العالم -إذا نجحت رأسا- على عقب، يقول سنكلير “أعتقد أن الشيخوخة مرض وأنه قابل للشفاء. وأنه يمكننا شفاءها. أعتقد أن كل ما نعرفه عن صحة الإنسان سيتغير جذريا”.

ولكن بعد ذلك -يقول الكاتب- كيف يمكن للكوكب أن يطعم كل هؤلاء الأشخاص الأصحاء الذين سيعيشون ما لا يقل عن 100 عام؟ وعليه ينبغي الحد من الولادات، أو إيجاد مصادر أخرى للغذاء ودون المزيد من تدمير البيئة والتنوع البيولوجي، إضافة لذلك قد لا يستفيد من تمديد العمر هذا سوى النخبة الثرية للغاية.

ويختم الكاتب بأنه لا يزال بإمكان البشر أن يحلموا بعالم يوفر لهم حياة صحية طويلة ويختارون موتهم، كما يقول سينكلير “الكفاح ضد الشيخوخة لا يتعلق بإنهاء الموت، إنه يتعلق بإطالة أمد الحياة الصحية وإعطاء المزيد من الناس فرصة لتجربة الموت بشروط أفضل”.