تعد اللغة العربية من أقدم اللغات التي حافظت على نسقها رغم تباين الآراء في تحديد تاريخ ظهورها، حيث ينسبها بعض الباحثين إلى يعرب بن قحطان ويرجعها بعضهم إلى نبي الله إسماعيل عليه السلام، فيما يعتبرها آخرون لغة أهل الجنة، وتفتقر جميع هذه الأقوال إلى البراهين العلمية.
ويرجع أقدم نص أثري ورد فيه اسم العرب إلى القرن السابع قبل الميلاد إبان عهد الملك الآشوري “شلمانصر الثالث” وذكر فيه انتصاره على ملوك “أرام” وغنم ألف جمل من جنود بلاد العرب.
أصل العربية في العراق
يرى أستاذ التأريخ في جامعة الموصل أن اللغة العربية جزء من اللغات السامية والمسماة بالجزرية “نسبة إلى الجزيرة العربية”.
ويضيف أن الشعوب التي سكنت العراق منذ أكثر من 10 آلاف سنة كالأموريين والبابليين تحدثوا بلهجات مختلفة تنبع رغم اختلافها من الأصل العربي، معتمدا في رأيه على كتاب محاضرات في تأريخ العرب المطبوع في بغداد عام 1954 لكاتبه الدكتور صالح أحمد العلي الذي أكد انحدار جميع اللغات العراقية من أصل واحد وتجتمع في خصائص مشتركة مثل تصريف الأفعال واعتماد الاسم والضمير على الفعل الذي يُكوّن أساس الجملة والتشابه في أصل الكلمات المكون من 3 أحرف.
ويؤكد أن اللغة العربية عريقة في العراق بقدر عراقة وجود الإنسان باعتبارها من اللغات السامية التي انتشرت منه إلى باقي البلدان.
من جانبه، يعتقد الباحث في التاريخ القديم الغزي أن انتماء اللغات الآكدية والعربية والعبرية والآرامية وغيرها إلى شجرة اللغات السامية هو سبب التقارب بينها ولا يعني عروبة هذه اللغات.
وبين أن موقع العراق الإستراتيجي سهّل اختلاط سكانه بالشعوب المجاورة، مما خلق رواسب لغوية بينهم أو ما يسمى حاليا بالتراث اللغوي القديم.
ويعتمد في رأيه على ما وصل إليه الباحثون بعد فك الرموز السومرية في القرن الـ19 وتأكدهم من تأثير السومرية على اللغات التي عاصرتها كالأكدية والبابلية والعربية.
العربية الفصحى في العراق
لا يزال الخلاف قائما بين الباحثين حول عربية اللغات العراقية أو استقلاليتها، بسبب صعوبة تحديد الأصل اللغوي وفق الباحث في التأريخ الجبوري، مرجحا اعتبار العربية أصل اللغات العراقية اعتمادا على تقارب المفردات وأسسها، وهو ما تفتقر له باقي المجاميع اللغوية.
ويضع الجبوري رأيه في خانة النظريات بسبب عدم وجود أدلة تؤكد أصل اللغة في العراق.
ويرجع الجبوري دخول العربية الفصحى إلى العراق للقرن السابع الميلادي مع وصول الفتوحات الإسلامية إلى البلاد.
وأوضح أن التقارب بين اللهجات المحلية والقريشية التي نُزل بها القرآن وإقبال الناس على الإسلام ساهم في انتشار الفصاحة تدريجيا حتى أعتمدها الناس بلهجة محلية في تواصلهم اليومي خلال العصر الأموي.
يذكر أن الكثير من علماء اللغة رجحوا قريشية لغة القرآن واحتوائها على بعض مفردات وألفاظ الشعوب العربية المجاورة، وسميت بالعربية الفصحى لفصاحتها وتناغمها وبعدها عن التأثيرات اللغوية الأجنبية.
علوم الضاد
وللعراق والبصرة بالتحديد إسهام كبير في علوم اللغة العربية وفق أستاذة اللغة العربية في جامعة تكريت إذ نشأ النحو في البصرة وبها نما واتسع وتكامل.
وتحدد -في حديثها أن أبا الأسود الدؤلي هو أول من وضع قواعد اللغة بعد أن أمره الخليفة الراشد علي بن أبي طالب بتقسيم الكلام إلى حرف واسم وفعل، ومن هنا جاءت علوم النحو وتفرعت إلى عدة مدارس مثل المدرسة البصرية والبغدادية وانتشرت بعد ذلك إلى مصر والأندلس.
وتابعت الدكتورة نعمان، أنه كذلك “نشأ في البصرة علم العروض الذي وضعه الخليل بن أحمد الفراهيدي الملقب بإمام العربية وصاحب أول معجم عربي (معجم العين)، ومنه أخذ العلم طائفة من اللغويين كسيبويه والنضر بن شميل ووهب بن جرير والأصمعي وغيرهم من البارزين في هذا المجال”.
وتضيف أن العراق الحديث أنجب علماء بارزين في اللغة أمثال الدكتور فاضل السامرائي البدري صاحب بلاغة الكلام ولمسات بيانية، وأحمد عبد الستار الجواري المعروف بأبحاثه اللغوية والأدبية والكثير من الشعراء والأدباء.
وعن التحديات الحالية التي تواجه لغة الفصاحة، تقسمها أستاذة اللغة إلى قسمين؛ يتمثل الأول في التحديات الداخلية المتعلقة بالأزمة الحضارية والدعوة إلى استبدال لغة الفصاحة بالعامية المحكية أو مزجهما معا، إضافة إلى الاغتراب والتشتت الفكري.
وتتعلق التحديات الخارجية بالتطور التكنولوجي المعتمد على الإنجليزية وندرة استخدام العربية في تطبيقاته.
وترجع الدكتورة نعمان هذه الأزمات إلى التراجع الملحوظ في مهام المجاميع اللغوية وعدم تحديث المفردات الوافدة الجديدة وتعريبها، مما أدى لاعتماد المفردات العلمية الإنجليزية.
وفي حين لا يزال الخلاف مستمرا حول أصل اللغة العربية وتاريخ دخولها إلى العراق يزداد حجم التحديات وإهمال اللغة في المدارس بما يهدد سلامة الأجيال العراقية القادمة.