عن المجتمع التونسي وأزماته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية أيضا، قدّم الفنان التونسي ظافر العابدين تجربته الإخراجية الأولى في فيلم “غدوة”، الذي شارك في تأليفه أيضا إلى جانب السيناريست أحمد عامر، كما شارك في إنتاجه مع المنتجة التونسية درة بوشوشة، وقام ببطولته إلى جانب رباب السرايري وبحري الرحالي ونجلاء بن عبد الله.

نجح الفيلم في حصد جائزة اتحاد النقاد الفيبرسي (FIPRESCI) خلال عرضه في فعاليات الدورة 43 لمهرجان القاهرة السينمائي، كما حصل على إشادات من الصحفيين والنقاد خلال عرضه في الدورة الأولى لمهرجان البحر الأحمر في المملكة العربية السعودية.

 

الثورة التونسية

يشتبك الفيلم مع الثورة التونسية “ثورة الياسمين” التي اشتعلت شرارتها في 17 ديسمبر/كانون الأول 2010، تضامنا مع الشاب محمد بوعزيزي الذي أضرم النار في جسده تعبيرا عن غضبه، ومن ثم انطلقت شرارة الثورة حتى 2011، وتفجر مع الحدث حلم الشعب التونسي من خلالها بالتغيير للأفضل على كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

إلا أن “غدوة” يستعرض الجانب الآخر من ثورة الياسمين، وهو إجهاض تلك الأحلام، وعدم تحقيق مطالب الشعب الذي خرج للثورة، وهو ما يجعل البطل “حبيب” -الذي كان له دور مهم في الثورة التونسية كمحام في مجال حقوق الإنسان- يعيش حالة من الصراع النفسي ويصاب بوساوس قهرية، ويتخيل طوال الوقت أن هناك من يطارده ويسعى لقتله، إلا أن الفيلم لا يمكن اعتباره فيلما سياسيا، فقد اختار صانعه أن يغلف ذلك في إطار اجتماعي شديد الإنسانية.

الوجه الآخر لظافر

استطاع ظافر العابدين أن يبرز إمكاناته الفنية كممثل من العيار الثقيل في فيلم “غدوة”، بعيدا عن الدور النمطي الذي اعتدنا مشاهدته فيه على الشاشة للرجل الوسيم والرومانسي، من خلال أعماله الدرامية المصرية واللبنانية. بينما في “غدوة”، تمرّد العابدين ليعلن عن مرحلة من النضج الفني عبر شخصية المحامي التونسي حبيب الذي يعاني من حالة صحية مضطربة.

ومن زاوية أخرى، يلقي الفيلم الضوء على علاقته بابنه الوحيد ذي الـ15 عاما، حيث تنقلب الأدوار بينهما حين يقرر الابن رعاية والده والحفاظ على سلامته، خاصة أن حبيب يعيش وحيدا بعد أن انفصل عن زوجته.

ثغرات في السيناريو

وعلى الرغم من القصة غير التقليدية التي يقدمها الفيلم، فإن هناك بعض المشاكل التي واجهت السيناريو الذي لم يوضح بشكل كاف تاريخ بطل الفيلم، سواء علاقته بزوجته السابقة وانفصاله عنها، أو كيف أصبح محاميا متخصصا في الدفاع عن الضحايا في حقوق الإنسان، فاكتفى السيناريو بمحاولة “حبيب” الوصول إلى كبار المسؤولين، ليسألهم عن التجاوزات في حق من قاموا بالثورة، ولماذا لم يتم القبض على الفاسدين؟ في مشاهد تم تكرارها تأكيدا على أن البطل يرفض أي أفكار أخرى تبعده عن همه وشغله الشاغل في إنصاف المظلومين.

الوهم والحقيقة

استطاع ظافر العابدين أن يؤكد على تميزه، ليس فقط كممثل قدم تحولات الشخصية وانفعالات البطل وتوتره بنضج شديد، لكن أيضا كمخرج قدم تجربة تبدو احترافية بالنسبة لكونه الفيلم الأول في تاريخه الفني في مجال الإخراج السينمائي، من خلال لقطات العمل، وأيضا المزج في المشاهد بين الوهم الذي يعيشه حبيب وبين الحقيقة، مثل قصة جارته المعجبة به التي يعيش معها خيالات من الرومانسية والأنس الذي يفتقده، وأيضا مشاهد مطاردات من يريدون النيل منه. وإلى جانب تميز عنصر الإخراج، فقد نجح التصوير أيضا في نقل حالة التوتر والقلق التي يعيشها البطل.

نهايات مختلفة وأمل التغيير

اختار المخرج -المشارك في التأليف أيضا- ظافر العابدين 3 نهايات للبطل المدافع عن تصحيح مسار الثورة، فالنهاية الأولى هي تفكيره في الانتحار لإنهاء حياته، أو موافقته على الدخول لمصحة علاج نفسي، وأخيرا قيام مسؤول في الدولة بإلقائه في عربة السجن مرة أخرى.

وعلى الرغم من أن النهايات الثلاث تصب لصالح الهزيمة، فإن شعاع الأمل قد جاء من الابن الذي قرر أن يكمل مسيرة والده، في رسالة واضحة بأن الأجيال المقبلة تحمل شرارة التغيير.