قبل ما يزيد على 7 عقود، شكلت القصص التي كانت ترويها والدته البذرة الأولى لمعرفة العالم العربي واللغة العربية، فتلك القصص كانت مستمدة من حكايات “ألف ليلة وليلة” التي تمت ترجمتها إلى الصينية قبل ولادته بسنوات قليلة.

بعمر 83 عاما، يقف تشو كاي الملقب بـ”ناصر الدين” وسط حجرته المزدحمة بالكتب الصينية والعربية، يستذكر مشواره الطويل في دراسة وتعليم اللغة العربية، الذي بدأ بقرار سياسي، حقق خلاله إنجازات عديدة.

 

دراسة بقرار سياسي

بدأ تشو كاي دراسته للغة العربية في عام 1958، بعد أن أمر رئيس الوزراء الصيني آنذاك “شو إن لاي” بتدريب مترجمين ومتحدثين بلغات أخرى إضافة للإنجليزية، وذلك بعد أن التقى بعدد من رؤساء الدول النامية- من بينها دول عربية- في مؤتمر باندونغ الذي عقد بإندونيسيا عام 1955، وحصل اعتراف متبادل بين تلك الدول والصين.

اختار تشو كاي العربية بعد قضاء سنتين في دراسة اللغة الإنجليزية، حيث انتقل للدراسة في كلية اللغات الشرقية بجامعة بكين. ويضيف للجزيرة نت أن ما شجعه على اختيار العربية سماعه بعض كلماتها من عائلة مسلمة كان يجاورها في المسكن خلال دراسته الثانوية، وإلمامه منذ الصغر ببعض التفاصيل عن العالم العربي.

وينقل تشو كاي عن مصادر تاريخية أن أول اتصال رسمي بين الصين والعالم العربي كان في عام 651 ميلاديا الموافق 31 للهجرة، لإقامة روابط ودية بين الجانبين والدعوة إلى الإسلام. وتعتبر هذه السنة الأولى لدخول اللغة العربية إلى الصين.

عقود في التعليم

بعد سنوات في دراسة اللغة العربية وزيارته لعدد من البلدان العربية، التحق تشو كاي بكلية اللغة العربية في جامعة الدراسات الأجنبية ببكين لنقل ما تعلمه للأجيال اللاحقة، فاستمر في مهنة التدريس الجامعي 46 عاما، تتلمذ على يده سفراء وعاملون في الوزارات وأساتذة وباحثون أكاديميون، زامله بعضهم في الجامعة.

كما مارس التدريس في المعهد الإسلامي ببكين، بهدف إعداد أئمة وعلماء في مساجد العاصمة، حيث استمر في ذلك 23 عاما. وخلال حديثه، أشار إلى كتاب باللغة الصينية، قال للجزيرة نت إنه عن سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، قام بتمويل طباعته ونشره بعد أن تمت ترجمته من قبل آخرين للغة الصينية.

إنجازات مهمة

يقول تشو كاي إنه حقق إنجازات كثيرة خلال رحلته مع اللغة العربية، لكن أبرزها لقاؤه مع الأديب المصري نجيب محفوظ، حيث كان اللقاء الأول عام 1983 عندما أخبره بنيته ترجمة “الثلاثية”، في حين كان اللقاء الآخر عام 1989 حين حمل إليه نسخة مترجمة إلى الصين.

وكان يحمل بين يديه نسخة مترجمة لرواية “بين القصرين” التي تضم صورة تجمعه مع محفوظ، استذكر تشو كاي ما قاله الأديب المصري عن نيته اقتسام جائزة نوبل للأدب ومنحه الجزء الأكبر منها. وبرر نجيب محفوظ لتشو كاي هذا القول بأنه كتب الثلاثية ليقرأها عشرات الملايين من المصريين والعرب، بينما ترجمها تشو كاي ليقرأها أكثر من مليار شخص يتحدثون اللغة الصينية.

 

كما ترجم تشو كاي كثيرا من الكتب العربية المهمة، مثل “تاريخ الحضارة العربية الإسلامية” لأحمد أمين و”ألف ليلة وليلة”.

أسس الأستاذ الصيني بعد تقاعده صندوقا باسم “صندوق تشو كاي التعليمي” لمنح جوائز للمتفوقين في الجامعات الصينية في 3 مجالات، هي تدريس اللغة العربية وثقافتها، وبحث علم التعليم للغة العربية وثقافتها، والترجمة بين اللغتين الصينية والعربية. ومنح الصندوق خلال السنوات الثلاث الأخيرة 7 جوائز لأساتذة متفوقين من مختلف الجامعات الصينية.

ويعتقد تشو كاي أن الجهود الحكومية وغير الرسمية باتت تشكل دفعة قوية باتجاه انتشار اللغة العربية في الصين، حيث يزداد عدد الجامعات التي تدرس اللغة العربية ويتحسن مستوى المتحدثين بها من الصينيين. كما ساهم الاهتمام بترجمة كتب التراث والثقافة في توسيع فهم الحضارتين لبعضهما البعض.