بنبرة حازمة وحاسمة خرج سيرغي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي ليؤكد أن بلاده تنتظر ردا أميركيا سريعا على مقترحاتها الأمنية للحد من النفوذ العسكري لحلف شمال الأطلسي (الناتو) في الجمهوريات السوفياتية السابقة وعلى رأسها أوكرانيا.
ولم يكتفِ ريابكوف بذلك، بل هدد أيضا بنشر صواريخ متوسطة وقصيرة المدى في أوروبا، مشددا على أن موسكو تأمل في أن تكون واشنطن قد استوعبت الحاجة إلى استجابة عاجلة لمقترحات الضمانات الأمنية.
وعلى الرغم من أن تصريحات ريابكوف تعكس استعدادا روسيا لاتخاذ موقف حاسم في حال تجاهلت الإدارة الأميركية المحاذير الروسية تجاه توسع الناتو شرقا، فإن واشنطن لا تسير على نفس التسارع مع الاستعجال الروسي بتأكيدها أن بعض المقترحات الروسية “غير مقبولة”.
وحذرت الولايات المتحدة ودول غربية أخرى روسيا من أنها ستواجه عواقب وخيمة -تشمل عقوبات اقتصادية قاسية- في حال هاجمت أوكرانيا.
ما استدعى “خيبة أمل” عبرت عنها الخارجية الروسية، قائلة إن الغرب يتعامل مع الضمانات الأمنية وكأن موسكو رفعت من “سعر الفائدة” لهذه المقترحات.
وتتهم أوكرانيا جارتها روسيا بأنها حشدت ما يصل إلى 100 ألف جندي قرب حدودها تمهيدا لمهاجمتها بحلول نهاية يناير/كانون الثاني المقبل، كما تواترت تصريحات غربية عن حشود عسكرية روسية غير عادية على الحدود مع أوكرانيا.
بيد أن روسيا نفت أنها تخطط لغزو أوكرانيا، ووصفت التقارير عن غزو محتمل لأوكرانيا بأنها دعاية كاذبة، معتبرة احتمال انضمام كييف إلى حلف الناتو بأنه تجاوز لـ”خطوط روسيا الحمراء”.
ويشهد إقليم دونباس (شرق أوكرانيا) منذ 2014 صراعا عسكريا بين القوات الأوكرانية والانفصاليين الموالين لروسيا.
بين الدبلوماسية والمواجهة
وبين هذا وذاك، تدخل ليتوانيا الجمهورية السوفياتية السابقة والعضو الحالي في الناتو على خط الأزمة، يعلن وزير دفاعها أرفيداس أنوشوسكاس أن بلاده مستعدة لدعم أوكرانيا بكل الوسائل، بما في ذلك تقديم الأسلحة الفتاكة، مفسرا ذلك بأن “الدبلوماسية تنجح عندما يكون لدى الضحية كل الوسائل للدفاع عن أمنها وضمان سيادتها”.
وبموازاة ذلك اقترح الاتحاد الأوروبي مناقشة مقترحات روسيا بشأن الضمانات الأمنية، ضمن الصيغ القائمة بين الجانبين.
وقال الممثل الرسمي للسياسة الخارجية في الاتحاد بيتر ستانو إن وثيقة هلسنكي النهائية وميثاق باريس اقترحا مبادئ أساسية لبناء الأمن الأوروبي، ولتحقيق هذه الغاية جرى تطوير عدد من آليات بناء الثقة، كمجلس روسيا والناتو، فضلا عن تقدم منظمة الأمن والتعاون في أوروبا آليات تظل أساسية في أي تفاعل مع روسيا.
وفيما يشبه محاولة إعادة الأوضاع إلى المربع الأول، شدد المسؤول الأوروبي على أنه “يجب على روسيا أن تتفهم وتحترم موقف الاتحاد الأوروبي بشأن حق كل دولة ذات سيادة في اختيار سياستها الخارجية وتحالفاتها بحرية”.
وعلى خلفية الصمت -الذي ترى روسيا أن أمده طال من جانب الولايات المتحدة- يبرز السؤال، كيف سترد موسكو إذا رفضت واشنطن مناقشة مقترحاتها الأمنية؟
الرد الروسي
إيغور كوروتشينكو رئيس تحرير مجلة الدفاع الوطني الروسية شدد على أن الغرب يماطل في الرد لأنه لا يريد أي مفاوضات ولا يريد إعطاء أي ضمانات أمنية.
ووفقا لكوروتشينكو فإن الجواب في هذه الحالة واضح، سترد روسيا بتهديدات مضادة على التهديدات التي ستنشأ من جانب الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، وعليه ستخلق نفس المشاكل لأمن أميركا والدول الأعضاء في الناتو، التي يحاولون التسبب فيها لموسكو.
ويستخدم الخبير الروسي في إجابته عبارة “الفعل يولد رد الفعل”، ومن هنا، فإن سياسة روسيا بشأن هذه القضية محددة بوضوح تام، فقد سبق أن حذرت بأنها سترد عسكريا على أية تغيرات في التوازن الأمني.
وبرأيه، فإن هذا يعني -من الناحية التكتيكية- نشر وتوجيه أنظمة الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت ضد مواقع إطلاق الصواريخ الاعتراضية والقواعد العسكرية الأجنبية التي قد تظهر في فضاء ما بعد الاتحاد السوفياتي.
كما يشير إلى أن موسكو ستعيد بناء مقاربتها لمسألتي المواجهة وتوازن القوة، بطريقة تحيد كل التهديدات المحتملة، مذكرا بعبارة قالها الرئيس فلاديمير بوتين في وقت سابق، بأنه في حالة الحرب سيتم تنفيذ الضربة الأولى على مراكز صنع القرار.
وهذا يعني أنه إذا تم “العدوان على روسيا” فستوجه الضربة الأولى للولايات المتحدة، ومن بعدها إلى قوات الناتو في أوروبا.
أما من الناحية العسكرية والسياسية البحتة، فيرى كورتشينكو أن الكرملين سيرد على محاولات إنشاء قواعد للناتو على الأراضي الأوكرانية، بخلق مساحة أمنية مشتركة مع جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك، وإذا لزم الأمر، ستعترف بهما ككيانين مستقلين في القانون الدولي.
وختم حديثه بالتأكيد على أن لدى موسكو أكثر من الفرص للرد، وفي حال أخفقت عملية التفاوض أو تم تجاهلها فسيبقى أمام الناتو تحمل العواقب، التي “ستقع على أكتافه وتسبب له الصداع”.
بيلاروسيا مقابل بولندا
أما الخبير العسكري فيكتور بارانتسيف فلفت إلى أن الولايات المتحدة تحاول التهرب قدر الإمكان من تقديم ضمانات أمنية لروسيا، لأنها لا تنوي نشر أسلحتها النووية في ألمانيا فقط، ولكن أيضا في بولندا.
وبرأيه إذا لم تتخل واشنطن عن هذا الأمر، فستعتبر موسكو ذلك بمثابة تحضير لحرب نووية ضدها، وفي هذه الحالة قد تظهر الصواريخ النووية الروسية في بيلاروسيا.
ومضى قائلا بالإضافة إلى نشر صواريخ نووية في بيلاروسيا، ستزيد روسيا عددها على حدودها الغربية، بما في ذلك منطقة كالينينغراد، كما ستعيد البحرية الروسية توجيه صواريخها إلى الدول التي ستنشر فيها الأسلحة النووية الأميركية، بما فيها صواريخ “كاليبر” وتسيركون” التي تفوق سرعتها سرعة الصوت.
وختم أنه بذلك ستصبح كل مناطق الناتو في أوروبا تحت المراقبة، وستكون الصواريخ الروسية جاهزة في الحالات القصوى لاستهداف الأماكن التي ستتمركز فيها الأسلحة والقواعد العسكرية الأميركية.
والجدير بالذكر، أن الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو أكد مؤخرا -في أكثر من مناسبة- استعداد بلاده لنشر أسلحة نووية روسية على أراضيها، إذا ظهرت الأسلحة النووية الأطلسية في بولندا.