من العرض العالمي الأول في لندن إلى العرض الأول في الشرق الأوسط بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي بدورته الـ43 وحتى العرض التجاري حول العالم، قام فيلم “بيت غوتشي” (House of Gucci) برحلة قصيرة مليئة بالإحباطات لمشاهديه الذين ارتفعت توقعاتهم بسبب طاقم العمل الذهبي الخاص به الذي يتكون من ليدي غاغا وآل باتشينو وآدم درايفر، وجاريد ليتو، وتحت قيادة المخرج المخضرم ريدلي سكوت، فكيف حصل الفيلم على هذه التقييمات المتدهورة من النقاد والجمهور؟
تبدأ أحداث فيلم “بيت غوتشي” في إيطاليا، حيث نتعرف على الفتاة الفاتنة باتريزيا ريجاني التي تقع سريعا في حب الشاب موريزيو غوتشي سليل عائلة “غوتشي” الشهيرة في عالم الموضة والأزياء والمنتجات الجلدية على الأخص، وكما في الأفلام العربية القديمة يرفض والد الفتى زواجه منها لاختلاف المستوى المادي بين عائلتيهما، ولكن البطل -الذي لم يظهر أي مشاعر عاطفية اتجاهها من قبل- قرر ترك المنزل وطبقته الاجتماعية والزواج من حبيبته التي عرفها منذ أيام أيا كانت النتائج.
ولكن بعد الزواج تدفعه باتريزيا إلى إعادة التواصل مع عائلته، وترك العمل في المحاماة والانخراط في أعمال العائلة، بل الاستيلاء على زمام أمورها، لكن ذلك لا يأتي بلا نتائج سلبية جانبية كما سنرى خلال باقي الأحداث.
أفلام السيرة من الأنواع السينمائية الشائعة للغاية في هوليود، وهي الأفلام التي تستعرض قصص شخصيات حقيقية شهيرة، ولكن تطور النوع السينمائي على مر السنوات، فلم يعد مثل السابق يسرد قصة حياة البطل منذ الولادة وحتى الموت، بل يرتكز الفيلم بالكامل على نقطة مفصلية في حياته، مثل أفلام “سبنسر” و”جاكي” و”الساعة الأسوأ”.
هذا التغيير أضفى على هذا النوع تكثيفا يفيد في تقديم أبعاد الشخصية بشكل أفضل، ويبعد المشاهد عن ملل تتبع لحظات غير مهمة ولا ضرورية.
لكن المخرج ريدلي سكوت في “بيت غوتشي” قرر العودة مرة أخرى إلى الأسلوب الكلاسيكي للغاية في أفلام السيرة، فنتعرف على ما قبل البدايات، وحتى النهاية، ما جعل الفيلم منذ البداية خارجا عن عصر صناعته، ويشبه فيلما معادا من أفلام هوليود بعصرها الذهبي.
ولكن تلك ليست أزمة السيناريو الوحيدة للأسف، بل من أهم عيوب الفيلم التحولات غير المنطقية في شخصية البطل موريزيو الذي قدم دوره آدم درايفر، الذي نراه في البداية شابا معجب بجرأة باتريزيا، لكن لا يبدو الاهتمام عليه من الناحية العاطفية، ثم في تحول كبير وغير مفهوم يتعامل مع علاقتهما الهشة على أنها حب حياته الوحيد ويتخذ من أجلها قرارات شديدة العنف، ويعود بعد ذلك لينبذها تماما من حياته بلا أي توضيح لأسباب ذلك، ويبدأ علاقة مع شخصية لم يظهر لها أي إرهاصات سابقة في السيناريو.
شخصية مارزيو هي الأوضح من باقي الشخصيات في غياب المنطق التي يحركها، وللأسف هي هنا الشخصية الرئيسية، التي تحتل أغلب المشاهد، وتمثل صلة الوصل بين كل الشخصيات الأخرى، وبالتالي التداعي الخاص بها أثر عليهم جميعا.
رحلة البحث عن الجوائز
فيلم “بيت غوتشي” شخصياته الرئيسية إيطالية، ولكن مخرجه اختار أن يكون الحوار باللغة الإنجليزية، وهو شيء مفهوم للغاية مع الوضع في الاعتبار جنسية طاقم الفيلم، وكذلك الجمهور المستهدف، لكن ذلك لا يبرر استخدام اللهجة الإيطالية الثقيلة على لسان أبطال العمل، الذين بدوا كما لو أنهم يقلدون بشكل ساخر الإيطاليين لا يمثلونهم.
يمتد ذلك إلى كل الممثلين، لكن بشكل خاص ظهر لدى ليدي غاغا بلهجتها الثقيلة والممثل جاريد ليتو الذي لم يكتف فقط باللهجة بل امتد ذلك إلى المكياج والحركة، ليظهر بشكل كاريكاتيري.
فيلم “بيت غوتشي” بطاقم نجومه وأسلوب التمثيل الكلاسيكي عمل يستهدف بشكل واضح موسم الجوائز القادم، لدينا هنا ممثلون يحاولون تغيير جلدهم بزيادة الوزن أو المكياج المفرط أو اللهجات الأجنبية وهي العوامل التي استطاعت في السابق اجتذاب جوائز الأوسكار بالفعل، ولدينا عوامل أخرى جاذبة للجوائز مثل النوع وهو السيرة، والاعتماد على شخصيات حقيقية معروفة إلى حد كبير للمشاهدين، واسم المخرج نفسه.
ولكن ربما هذا رهان خاطئ من صناع الفيلم، لأن في السنوات الأخيرة تغيرت قواعد موسم الجوائز بشكل واضح، فنجد أن أفلاما أكثر اختلافا هي التي تفوز بالجوائز، ولم يعد الأمر يعتمد فقط على كم التغييرات التي تجري على شكل الممثلين ليفوزوا بالترشيحات، بل طريقة أدائهم للشخصية والإضافة التي أضفوها عليها.
لذلك من المتوقع أن تفوز الممثلة كريستين ستيوارت عن دورها في فيلم “سبنسر” بجائزة الأوسكار أكثر من “ليدي غاغا” على الرغم من أن الاثنتين تقدمان شخصيات حقيقية شهيرة، ولكن الأولى ظهرت ضمن طاقم عمل عصري في صناعته السينمائية، ركز على لحظة محددة من حياة بطلته بدلا من تقديم كامل تفاصيل حياتها، ولم يهتم بالجانب الشكلي للشخصية قدر اهتمامه بتقديم أزمتها النفسية والحياتية، وحتى في نهايته قرر الوقوف عند لحظة معينة قبل النهاية المعروفة والتقليدية لشخصية الأميرة ديانا.
وهذا هو الفرق الواضح بين صناعة الأفلام بالأسلوب القديم الذي لجأ إليه ريدلي سكوت فجعله خارج الزمن والخارطة السينمائية، وبين التجدد الذي نجده في الأفلام الجاذبة للجوائز بالعصر الحالي.