تدهورت الأوضاع الأمنية في إقليم دارفور (غربي السودان) على نحو باعث على القلق، إذ قضى العشرات وفرّ الآلاف إلى معسكرات اللجوء بدولة تشاد المجاورة، في أحد أشد موجات الصراع عنفًا في الأيام الأخيرة.
وكشف المنسق الرئيس لمفوضية اللاجئين في دارفور، توبي هاروارد، عن فرار نحو 10 آلاف مواطن إلى دولة تشاد، معظمهم نساء وأطفال، قادمون من منطقة جبل مون التي تعاني من تصاعد أعمال العنف إلى حد كبير.
وتحدث هاروارد في مؤتمر صحفي عن 200 حادثة عنف أُبلغ عنها في الإقليم خلال العام الجاري، في ظل عمليات تدمير للقرى، وعنف جنسي، وسرقة للمواشي.
ما أبرز حوادث العنف؟
أفادت التنسيقية العامة لمعسكرات النازحين واللاجئين، في بيان أطلعت عليه الجزيرة نت، بسقوط ما يزيد على 90 قتيلًا في الإقليم، في الأسبوعين الأخيرين فقط.
وبدأ الصراع في محلية جبل مون، بعد حادثة نهب للمواشي، تلاها احتشاد قبلي مسلح انتهى بمقتل العشرات، وفرار الآلاف إلى دولة تشاد المجاورة.
وفي حادثة أخرى، حاصرت مجموعات مسلحة معسكر “مورني” بولاية غرب دارفور مدة 3 أيام، احتجاجًا على مقتل أحد عناصرها بالقرب من المعسكر، وانتهت الواقعة بإرغام أهالي المعسكر على دفع دية قوامها 20 مليون جنيه سوداني (نحو 44 ألف دولار).
وقبل أيام، سقط 48 قتيلًا في منطقة “كرينك” بولاية غرب دارفور، في تجدد الصراع بين الأهالي ومليشيات مسلحة، حسب ما أفادت لجنة أطباء السودان المركزية. وقضى أشخاص عدة في أحدث هجوم على نازحي معسكر زمزم (بالقرب من مدينة الفاشر)، في حادثة إطلاق رصاص عشوائي.
يحدث ذلك في ظل ارتفاع كبير في وتيرة الشكاوى من تفشي جرائم القتل، والسلب والنهب، داخل المدن والقرى، وفي الطرق بين الولايات.
وأفاد موقع “دارفور 24” المتخصص في نقل أخبار الإقليم، أمس الأربعاء، بتجدد الاقتتال في جبل مون، بعد مدة من الهدوء الحذر.
كيف تحركت الحكومة؟
دفعت السلطات في الخرطوم بقوات مشتركة من الجيش والشرطة والدعم السريع والمخابرات العامة والحركات المسلحة إلى الإقليم في محاولة لتدارك الأوضاع قبل فوات الوقت.
وتأسّف حاكم الإقليم، مني أركو مناوي، بعد تنقله من العاصمة الخرطوم إلى مدينة نيالا (حاضرة ولاية جنوب دارفور)، على ضحايا أحداث العنف بالإقليم، متهمًا أيادي -لم يسمّ أصحابها- بالتورط في الأحداث، لتحقيق مصالحهم على حساب استقرار الإقليم.
ما أسباب تنامي الصراع؟
يعزو الصحفي المتخصص في الشأن الدارفوري أحمد حمدان زيادة الصراعات المسلحة في الإقليم إلى انتشار السلاح، وتدفق كميات هائلة منه من دول الجوار المضطربة وعلى رأسها أفريقيا الوسطى وليبيا وتشاد، إلى جانب تبعات تسليح الرئيس المعزول عمر البشير لعناصر ذات أصول عربية عُرفت لاحقًا بـ”الجنجويد” في الفترة من 2003- 2008.
وقال حمدان للجزيرة نت إن انتشار السلاح أدى إلى استخدامه بكثافة في خلافات الرعاة والمزارعين، إلى حد انحراف الخلاف من بعده الاقتصادي والاجتماعي إلى منحى عرقي لفرض الهيمنة والنفوذ.
وذكّر بأسباب أخرى محفّزة للصراع الحالي، كالخطاب الأفريقي الذي ترفعه عناصر الحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو من داخل الإقليم، أو بانضمام محسوبين على الإدارات الأهلية (إدارات مكونة من زعماء القبائل) إلى قوات الدعم السريع والحركات المسلحة، وذلك يصعّب ملاحقتهم قضائيًّا عند ارتكابهم تجاوزات.
ما علاقة إجراءات البرهان منذ أكتوبر الماضي بزيادة الصراع؟
يرى القيادي الشاب في صفوف الحركة الاتحادية بإقليم دارفور، آدم جبر الله، أن الإجراءات التي أعلنها الفريق عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر/تشرين الثاني الماضي، واستيلاء العسكر على السلطة، وتكالب الحركات المسلحة على السلطة كلها عوامل أسهمت في ارتفاع حدّة الصراع بالإقليم.
وقال جبر الله للجزيرة نت إن انشغال القادة العسكريين بتثبيت سلطاتهم في الخرطوم دفع المليشيات والحركات المسلحة إلى الانخراط في عمليات واسعة لإقصاء الخصوم، والسيطرة على المناطق الغنية بدارفور.
بدوره، ردّ الكاتب والمحلل السياسي عز الدين دهب تنامي الصراعات في الإقليم إلى الفراغ الإداري الناجم عن حلّ الحكومة، وبطء تنفيذ اتفاق السلام، والانشغال بالمحاصصات السياسية على حساب بنود مهمة كالترتبيات الأمنية وتكوين المفوضيات.
وتطرّق دهب، في حديثه للجزيرة نت، إلى أسباب أخرى للصراع أهمها عدم إلحاق قوى نشطة باتفاق السلام (مثل عبد الواحد نور قائد حركة تحرير السودان).
أما القيادي في حركة العدل والمساواة عوض إبراهيم داود فبرّأ النظام الحالي من المسؤولية، ووجّه -في حديثه للجزيرة نت- أصابع اللوم للقوى السياسية بالحكومة المعزولة، لزهدها في تنفيذ اتفاق السلام.
من الأطراف المتورطة في الصراع الحالي؟
يقول أحمد حمدان إن تجار السلاح هم أبرز المتورطين في الصراع الحالي، مطالبًا بمراقبة دقيقة للحدود مع دول الجوار.
في حين يلقي القيادي آدم جبر الله باللائمة على المليشيات ومن يصفهم بجنرالات الحرب، مطالبًا بإنفاذ القانون بحق جميع المتورطين بالصراع.
أما عوض داود فاتهم طرفًا محليًّا، لم يسمّه، بتأجيج الصراع في دارفور وشرق السودان وإقليم كردفان إنفاذًا لمخططات إقليمية ودولية.
إلى أين تذهب الأوضاع؟
اتفق المتخصص في الشأن الدارفوري أحمد حمدان، والقيادي بالعدل والمساواة عوض إبراهيم داود على أن إرادة الأطراف المختلفة، وعنصر الزمن يعدّان عاملين حاسمين في حل أزمة الإقليم أو مفاقمتها بصورة لا يمكن تداركها.
وبينما حذر حمدان من خطورة ابتعاث قوات قوامها عناصر تنتمي لمكونات الصراع، ذهب داود إلى أبعد من ذلك، بإمكانية تمدّد الصراع من دارفور وصولًا إلى العاصمة الخرطوم.