النطف المهربة هي قصة فيلم “أميرة” الذي لاقى بعد عرضه في مهرجان “كرامة لحقوق الإنسان” في عمان رفضا فلسطينيا واسعا على مستوى الأفراد والمؤسسات العاملة بقضايا الأسرى، وخاصة بعد اختياره من قبل وزارة الثقافة الأردنية لتمثيل الأردن رسميا في مهرجان الأوسكار.

ويتحدث الفيلم عن “أميرة” -ابنة أسير تبلغ من العمر 17 عاما- التي أُنجبت عن طريق النطف المهربة، وتكتشف فيما بعد أنها ابنة ضابط موساد إسرائيلي، وهو من إخراج المصري محمد دياب وإنتاج أردني فلسطيني مصري مشترك.

قالت زوجة أسير – إن بعض عائلات الأسرى ومؤسسات حقوقية علمت بهذا الفيلم في المراحل الأخيرة من تصويره، حيث توجهت إلى القائمين عليه لوقفه، وكان هناك تجاوبا من إحدى الممثلات التي انسحبت من العمل، ولكن المخرج والمنتجين أصروا على إتمام التصوير وعرض الفيلم.

وحول تأثير هذا الفيلم على عائلات الأسرى -خاصة زوجاتهم اللواتي يجدن صعوبة أحيانا في تقبل المجتمع للإنجاب بهذا الطريقة- قالت سناء: “هذا الفيلم سيصعب الأمر عليهن بالتأكيد”.

ولكنها بالمقابل، أوضحت أن تهريب النطف يجري وفق آلية دقيقة ومحكمة وليس “اعتباطا” كما يعتقد البعض، فلا يمكن أن يتشابه الحال مع ما قدمه الفيلم.

 

ضغط شعبي ورسمي

ورغم أن الفيلم كان من الأفلام التي عرضت في مهرجان أيام فلسطين السينمائية في بداية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وعرض الفيلم في مهرجان فينيسيا الدولي وحاز على 3 جوائز، فإنه لم يُسلط الضوء عليه كما في اليومين الأخيرين بعد عرضه في العاصمة الأردنية.

وتصدر وسم #اسحبوا_فيلم_أميرة مواقع التواصل الاجتماعي، حيث عبر نشطاء من فلسطين وخارجها عن استيائهم ومطالبهم بسحب هذا الفيلم، وهي المطالب ذاتها للمؤسسات الحقوقية العاملة في مجال الأسرى في فلسطين، والتي تعقد اجتماعات وحوارات منذ 3 أسابيع مع الخارجية الأردنية ووزارة الثقافة الأردني حول هذا الموضوع، كما يقول رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين قدري أبو بكر، والتي أثمرت اليوم عن وعود بوقف الفيلم.

وتابع أ”نأمل أن تترجم هذه الوعود من قبل الجانب الأردني إلى موقف واضح بوقف تداول هذا الفيلم بالكامل”.

وبحسب أبو بكر سيصل اليوم الأربعاء وزير الثقافة الأردني مع وفد مرافق له “للاجتماع مع رئيس الوزراء الفلسطيني”.

وبعد تواصل مع الهيئة الملكية الأردنية للأفلام بشأن هذا الفيلم، ردا من قبل العلاقات العامة في الهيئة جاء به “أن فيلم أميرة فيلم مشترك بين فلسطين والأردن ومصر، وهو فيلم روائي خيالي وليس فيلما وثائقيا، لذا فإن اختيار أسلوب رواية القصة وسرد الأحداث يعود لطاقم العمل من الإخراج والتأليف والإنتاج”.

وفيما يتعلق بتقديم الفيلم إلى جوائز الأوسكار لعام 2022 لتمثيل الأردن، قالت الهيئة إن دورها يكمن في الإعلان عن فتح باب التقديم للأفلام الطويلة للترشح لجوائز الأوسكار واستلام الأفلام وتنظيم سير العملية، وتشكيل لجنة مستقلة من خبراء معنيين بالقطاع المرئي والمسموع، والتي وقع اختيارها على هذا الفيلم من بين عدد من الأفلام المتقدمة الأخرى”.

 

تشويه لتجربة استثنائية

وبمتابعة ردود الفعل الفلسطينية على هذا الفيلم، نجد شبه إجماع على رفض ما جاء فيه من محاولات تشويه أعظم تجربة للأسرى على مستوى العالم، كما يقول رئيس نادي الأسير الفلسطيني قدورة فارس.

وكشف فارس أن المؤسسات الحقوقية المتابعة لقضايا الأسرى -ومنها مؤسسته- علمت عن الفيلم بعد إنتاجه وتم عقد اجتماع لمناقشته ومشاهدته، وتم الاتفاق على التريث بمهاجمته حتى يتم عرضه كي لا يخلق دعاية مجانية له.

وتابع فارس: “الفيلم عبارة عن حبكة سينمائية تافهة ومضللة ومسيئة، ومنسجمة مع رغبة الاحتلال بتشويه الإبداع الفلسطيني في إنتاج هذه التجربة”.

ولكن هذا الفيلم -كما يقول فارس- لا يمكن أن يشكل خطوة، فإسرائيل التي تسرق زمنا من عمر الأسرى باعتقالهم، فشلت أمام هذه التجربة، ولن يقوض هذه التجربة هذا الفيلم.

إذن ما الخطوة التالية فلسطينيا للتصدي لهذا التشويه؟ يجيب فارس: “على الفلسطينيين على المستوى الرسمي والشعبي نبذ هذا الفيلم، ونحن من طرفنا خاطبنا وزارة الخارجية الثقافة والحكومة وممثلا من منظمة التحرير، للعمل جميعا على وقف عرض هذا الفيلم”.

 

لا مجال للخطأ

من جهته، قال رئيس لجنة أهالي الأسرى المقدسيين أمجد أبو عصب أن نسبة الخطأ في عملية تهريب النطف “صفر”؛ فالأسرى يتبعون إجراءات دقيقة، ويبتكرون وسائل معقدة لإخراج النطفة بدون علم السجان، والتي تتم في وجود شهود على ذاك في السجن، ولا تخرج في يوم واحد إلا نطفة واحدة.

وتابع: “عند تسليم النطفة للمركز الطبي يجب أن يحضر شهود من عائلة الأسير وعائلة الزوجة، ويتم التوقيع على وثائق لإثبات النسب بحيث يتم تسجيل جميع المعلومات اللازمة”.

وبحسب أبو عصب، بعد الاستلام يتم فحص النطفة في المركز الطبي وتسجيلها باسم الأسير وزوجته.

يؤكد مدير مركز حريات المتابع لقضايا الأسرى حلمي الأعرج -في حديثه- ما قاله أبو عصب، ويقول: “نطف أطفال الحرية نقية، وعملية إخراجها لا مجال للخطأ فيها، ولم تكن مرة واحدة؛ وإنما جاءت بعد سنوات تهيئة الظروف المجتمعية والعائلية والدينية لنجاحها إلى أن اتخذنا لقرار ببدايتها عام 2012”.

وقال الأعرج: “منذ بداية الحركة الأسيرة كان النقاش حول حق الأسرى في الإنجاب، ولكن حتى لا تكون هناك مساوات وخسارات وطنية وأمنية لتوقعاتنا أن يكون هناك تصوير من قبل الاحتلال، ابتدع الأسرى هذا النوع من النضال”.