أحدث السقوط الحر الذي عاشته العملات الرقمية نهاية الأسبوع الماضي، حالة من القلق في صفوف المستثمرين، بعد أن فقدت عملة “البتكوين” 21% من قيمتها السبت الماضي، قبل أن تبدأ رحلة متعثرة للتعافي وتحوم حول 50 ألف دولار.
وفقدَ سوق العملات الرقمية حوالي 500 مليار دولار خلال نهاية الأسبوع الماضي، بعد تراجع سعر عملة البتكوين إلى مستويات متدنية عند 47500 دولار بعدما كانت قد قفزت فوق 68 ألف دولار في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وهو ما انعكس على بقية العملات الأخرى من بينها عملات “الإثيريوم” و”كاردانو” و”سولانا” وكلها عملات تعتبر الأكبر في العالم.
وفتح هذا الانهيار السريع وغير المبرر لأسعار العملات الرقمية، الكثير من الأسئلة عن المنطق الذي تشتغل به هذه العملات، وحجم مخاطر الاستثمار في هذا السوق الذي ما زال يعتبر لغزا كبيرا بالنسبة للكثيرين.
طرحت الجزيرة نت هذه الأسئلة على كل من الدكتور نهاد إسماعيل أستاذ الاقتصاد والمخاطر المالية والدكتور نبيل عادل المستشار المالي لعدد من مؤسسات التأمين العالمية، وذلك لفهم أسباب هذا التراجع، والتوقعات بشأن مستقبل هذه العملات.
-
ما المنطق الذي تعمل به العملات الرقمية؟
يرى الدكتور نبيل عادل أن العملات الرقمية تخضع لمنطق السوق في العرض والطلب وأيضا قيمتها مرتبطة بتوقعات المستثمرين لمدى قدرة هذه العملات على النمو.
وأردف بأن ما يجعل التعامل مع هذه العملات معقدا هو قاعدة أن الإنسان عدو لما يجهل، ذلك أن المستثمرين لا يعرفون كيف يتعاملون مع هذه العملات وبالتالي فرد الفعل عند أي هزة يكون عنيفا إما يؤدي لارتفاع غير مسبوق أو انهيار حاد.
-
هل هذا التراجع سببه ظهور متحور كورونا “أوميكورن”؟
في هذه النقطة يختلف تحليل نهاد إسماعيل ونبيل عادل، فالنسبة للدكتور نهاد كان يوم الإعلان عن اكتشاف هذا المتحور “يوما أسود” بالنسبة للاقتصاد العالمي وبسببه انهارت الأسهم وحصلت موجة بيع مفاجئة للأسهم ولعملة البتكوين، لأن منطق السوق في الأزمات هو البيع وبعدها طرح الأسئلة.
وأضاف أن هذا التراجع مرتبط أيضا بأزمة الطاقة وخطوط الإمدادات لأن تعدين العملات الرقمية يحتاج لكَمّ هائل من الطاقة الكهربائية في ظل أزمة الطاقة التي يعيشها العالم.
في المقابل، يرى الدكتور نبيل عادل أنه لا علاقة لكورونا بهذا الانهيار، لأن سوق العملات الرقمية ازدهر خلال فترة الوباء، وكلما كانت هناك مخاوف من إغلاق جديد يلجأ الناس للعملات الرقمية لأنها أسهل في التعامل والتداول.
-
ما أسباب هذا التراجع؟
يرى الدكتور نبيل عادل أن هذا الانهيار الحاد مرده لدخول المستثمرين في مضاربات كبرى حول هذه العملات وأغفلوا قيمتها الحقيقية ما دامت الأرباح في ارتفاع مستمر.
هذا الوضع يؤدي إلى ارتفاع غير منطقي في قيمة هذه العملات، إلى أن تصل كتلة الاستثمارات إلى قناعة بأن الارتفاع غير مبرر وغير منطقي، وفي تلك اللحظة فإن أي حدث بسيط يؤدي إلى زعزعة قيمة هذه العملات مثل بالون منتفخ بشدة فإن أي احتكاك بسيط يؤدي لانفجاره، وهذا ما حدث هذه المرة ذلك أن الجميع حذر من تضخم قيمة الكثير من العملات الرقمية دون أي مبرر، وبمجرد تراجع بسيط لقيمة البتكوين بدأ السوق كله ينهار ويتراجع.
-
ما حجم مخاطر الاستثمار في العملات الرقمية؟
يميز نهاد إسماعيل بين نوعين من المخاطر الأمنية والاقتصادية، ذلك أن كل التداولات لهذه العملات يتم في منصات رقمية على درجة عالية من السرية والأمان، لكن في حال تم اختراق حساب أي مستثمر فليس هناك أي آلية من أجل استرجاع أموالك مقدما المثال بهيئة السلوك المالي البريطانية التي ترفض التعامل مع هذه الحالات.
أما المخاطر الاقتصادية، فتتجلى في كون هذه العملات الرقمية لا يمكن وصفها بالاقتصاد الحقيقي وهي سريعة التقلب وغير مضمونة ولا يوجد أي جهة أو هيئة رسمية يمكن الاحتكام لها لتنظيم التعاملات فيها، وبالتالي فعلى من يستثمر فيها أن يكون مستعدا لخسائر فادحة كما أنه يمكن أن يجني أرباحا كبيرة لأنه لا منطق في تفسير سلوك هذه العملات.
-
هل هذه فرصة ذهبية للاستثمار في هذه العملات؟
يقرد نبيل عادل بصعوبة التوقع والتنبؤ بسلوك سوق العملات الرقمية خلال الشهر المقبل أو حتى الأسبوع المقبل، لكنه يرى أن سرعة التطور التكنولوجي، وحجم التداول في هذه العملات، وانضمام شركات كبرى للتعامل بهذه العملات، يشير إلى أن أسعارها على المدى البعيد سوف تستمر في الارتفاع، أما التقلبات على المدى القصير فهي معتادة في الأسواق المالية.
-
لماذا لا تدخل البنوك المركزية على الخط؟
يفسر نبيل عادل عدم تدخل البنوك المركزية لتنظيم سوق العملات الرقمية بأكثر من سبب، أولها أن هذه البنوك غير مجهزة لا تنظيميا ولا تقنيا لهذا الأمر، إضافة لكون البنوك المركزية تأسست من أجل ضبط الأوراق النقدية والمعدنية ومراقبة أعمال البنوك ومنطقها هو المركزية في القرار المالي.
في المقابل، فإن سوق العملات الرقمية غير ممركز، كما أن مراحل تصنيع هذه العملات ما زالت غير واضحة، في حين أن البنك المركزي يجب أن تكون لديه الصلاحيات من أجل تتبع كل مراحل استصدار العملات، لهذا ما زالت البنوك المركزية تتعامل بحذر شديد مع هذه العملات.
أما نهاد إسماعيل، فيشير إلى أن هناك توجسا أيضا لكون هذه العملات باتت تستعمل في طلب الفدية خلال عمليات الاختراق، وهناك عملات يشتبه أنها تستعمل من أجل التجارة غير المشروعة وغسيل الأموال، وكلها أمور تحتاج الكثير من الوقت والتقنيات للتحقيق والتدقيق فيها.