بعد مرور 3 سنوات ونصف السنة على واحدة من أعقد عمليات الإنقاذ، يكشف وثائقي “الإنقاذ” (The Rescue) الكواليس وراء إنقاذ 12 فتى ومدربهم الذين علقوا في أحد الكهوف بتايلند، وكيف تجلت الإنسانية في أسمى معانيها باتحاد فرق الإنقاذ والمتطوعين من حول العالم للتخطيط للمهمة المستحيلة وإنقاذ الفتية.
ويروي الوثائقي -الذي أنتجته شبكة “ناشونال جيوغرافيك”- تفاصيل قصة فريق كرة القدم ومدربه الذين علقوا داخل كهف “ثام لوانغ”، عقب هطول أمطار غزيرة غمرت الكهف جزئيا، ويكشف الوثائقي عن لقطات تحبس الأنفاس لم تعرض من قبل، ويجسد الشجاعة التي أظهرها متطوعو ومحترفو الغوص، وكيف خاطروا بحياتهم لإخراج الأطفال أحياء.
رحلة استكشافية كارثية
في يوم حار من يونيو/حزيران 2018، توجه الفتية ومدربهم إلى كهف “ثام لوانغ” (شمالي تايلند)، الذي كان أشبه بساحة استكشاف للأطفال يذهبون إليه بعد التمرين، ولكن ليس هذه المرة؛ إذ تسببت الأمطار الموسمية المبكرة في فيضان الكهف، وحوصر الأطفال ومدربهم في غرفة حالكة السواد بعمق 4 كيلومترات.
وبدأت الشرطة وفرق الإنقاذ البحث عن الأطفال، وتجمعت وسائل الإعلام العالمية لتغطية الحدث، حتى عثر أحد الغواصين عليهم أول مرة بعد 10 أيام من فقدانهم، ولم يتمكن من تصديق عينيه عندما وجدهم مجتمعين على صخرة وجميعهم أحياء.
ولكن كانت العقبة الكبرى هي كيف سيتم إخراجهم أحياء؟ وفي أسرع وقت، قبل نفاد الهواء داخل الكهف، وقبل أن تزداد نسبة المياه بسبب الأمطار الموسمية المرتقبة.
من مجرد هواية إلى عملية إنقاذ
كان من بين أوائل الغواصين الذين وصلوا إلى الأطفال رجل الإطفاء المتقاعد ريك ستانتون (60 عاما)، ومستشار تكنولوجيا المعلومات جون فولانثين (50 عاما)، وكلاهما يغوصان في الكهوف من أجل المتعة.
ويقول ستانتون لصحيفة “إندبندنت” (Independent) البريطانية “اعتدنا الذهاب إلى الكهوف في جميع أنحاء العالم، وشاركنا في عمليات إنقاذ أخرى، وكنا نعلم أننا من بين أفضل الأشخاص في العالم للمشاركة في عملية الإنقاذ”.
ويقود ستانتون وفولانثين أحداث الوثائقي، بالإضافة إلى العديد من المقابلات، ولقطات سجلتها البحرية الملكية التايلندية، ومشاهد إعادة تمثيل عملية الإنقاذ تحت الماء، لتجسيد تفاصيل إنقاذ المدرب وجميع أعضاء الفريق، بعد أكثر من أسبوعين من الألم والمعاناة.
ويقول ستانتون عن اللحظات الأولى عندما عثر على الأطفال “تلك اللحظة كانت عجيبة بشكل لا يصدق، كنت أنظر إلى فولانثين ولم أصدق ما أراه، فقد كنا افترضنا أننا سنجد جميع الأولاد غارقين”.
تفاصيل لم تعرض من قبل
أخرج الفيلم الزوجان الحاصلان على جائزة أوسكار تشاي فاسارهيلي وجيمي تشين، وتمكنا من نقل مشاعر القلق والخوف والدهشة التي شعرا بها أثناء متابعة عملية الإنقاذ، ورغم أن نهاية القصة معروفة، فإن الأحداث تجري بشكل جذاب ومشوق.
وتقول فاسارهيلي عن بطولة الغواصين ستانتون وفولانثين “فجأة أصبحت هذه الهواية التي كانا يمارسانها في عطلات نهاية الأسبوع لمدة 40 عاما بمثابة تمهيد لهذه اللحظة، ولم يترددا ووضعا كل شيء على المحك، وكانا يؤمنان حقا بأن إنقاذ طفل واحد فقط سيكون نجاحا”.
وخلال غطس رجال الإنقاذ لأول مرة عبر المياه العكرة للكهف، عثروا على 4 عمال بالغين عالقين، ورغم أن رحلة خروجهم استغرقت 30 ثانية فقط، فإنهم أصيبوا بالذعر لدرجة أنهم كادوا يغرقون، ومن هنا أدرك فريق الإنقاذ أنه يجب تخدير الأولاد لإخراجهم من الكهف.
وضمن أكثر المقابلات المؤثرة في الوثائقي، مقابلة الغواص وطبيب التخدير الأسترالي ريتشارد هاريس، الذي أعد مخدرا يمكن استخدامه على الأطفال لإخراجهم من الكهف في رحلة مدتها ساعتين ونصف الساعة، وتتملئ عيناه بالدموع عندما يتذكر لحظات تخدير الأطفال ودفعهم إلى الماء.
كما يروي “الإنقاذ” قصة الغواص السابق في البحرية التايلندية سامان جونان، الذي لقي حتفه خنقا أثناء محاولته إنقاذ الأطفال، وأيضا قصة الضابط بيروت باكبارا الذي توفي العام التالي للمهمة بسبب التهاب في الدم أصيب به أثناء وجوده في الكهف.
نجاح لا يصدق
تمت عملية إخراج الأطفال على مدار 3 أيام، بقيادة ستانتون وفولانثين وبمساعدة فريق دولي للغوص في الكهوف، ويقول ستانتون “نحن من وضعنا الخطة، ولكن حتى يومنا هذا -رغم أننا نعرف النتيجة- فإن نجاح الخطة يبدو غير معقول ولا يصدق”.
وكتب ستانتون قصة فتية الكهف في كتابه “أكوانوت” (Aquanaut)، وقال “لم يمر يوم واحد على مدار 3 سنوات ونصف السنة لم أفكر في عملية الإنقاذ”. وتقديرا لشجاعتهما، حصل ستانتون وفولانثين على وسام الملك جورج، وهو ثاني أعلى تشريف يُمنح للمدنيين في بريطانيا.
وأوضحت فاسارهيلي أنه بسبب جائحة كورونا كان أحد أكبر العوائق في صناعة الفيلم تأمين اللقطات التي سجلتها البحرية التايلندية، وقالت “صورنا لمدة عامين عبر الإنترنت، وأخيرا ذهبت إلى تايلند في أبريل/نيسان 2021”.
وأضافت “اللقطات مذهلة، فقد تم توثيق كل تلك اللحظات الحاسمة؛ عندما وجد ريك وجون الأطفال لأول مرة، عندما أكلوا لأول مرة، وعند إعطائهم الغطاء، وعندما قام الدكتور هاريس بتخدير أول طفل، ونهاية عملية الإنقاذ عندما كان 200 شخص يسلمون بعضهم البعض نقالات محمول عليها الأطفال”.
ويعرض فيلم “الإنقاذ” في دور السينما ببعض دول العالم، ومن المقرر أن يعرض على منصة “ديزني بلس” (Disney Plus) في الثالث من ديسمبر/كانون الأول المقبل.