تقدم “نتفليكس” (Netflix) كل عام مشاريع سينمائية مختلفة، بعضها شديد الفنية، لتعطي الفرص لمخرجين كبار موهوبين يعانون من صعوبات إنتاجية، مثلما حدث مع مارتن سكورسيزي وفيلم “الأيرلندي” وفيلم “مانك” للمخرج ديفيد فينشر، ولكن في الوقت ذاته تنتج أفلامًا أخرى أكثر جماهيرية وشعبوية، بهدف جني ملايين المشاهدات التي تدعم المشاريع الأخرى.

وتحشد الشبكة لهذه الأفلام أشهر النجوم وأكثرهم جاذبية لدى المشاهدين، وميزانيات عملاقة، قلما تتيحها أي جهة إنتاجية أخرى بسهولة، وعُرض منذ أيام أحدها على منصة نتفليكس وهو “ريد نوتيس” (Red Notice) بميزانية هي الأكبر في تاريخ المنصة بحوالي 200 مليون دولار، وتوقع موقع “أوبزرفر” (Observer) أن نتفليكس بحاجة إلى أن يشاهد المشتركون الفيلم لمدة 200 مليون ساعة في أول شهر من عرضه ليعتبر ناجحًا.

 

خطة ناجحة فاشلة

تدور أحداث فيلم “ريد نوتيس” حول عملية إجرامية لتجميع 3 بيضات أثرية ترجع ملكيتها إلى الملكة البطلمية القديمة كليوباترا، إحداها في متحف كبير، والأخرى في مجموعة خاصة بأحد المجرمين، والثالثة مفقودة في مكان مجهول، ويتنافس على تجميعها اثنان من المجرمين، للحصول على المال، وكذلك الفوز بلقب أفضل سارق تحف فنية في العالم.

ويدخل هذه المنافسة الحارة الضابط الذي يقدم دوره دوين جونسون، والذي يستطيع التنبؤ بسلوك المجرمين، ويساعد في الإيقاع بأحدهم، لكنه يتورط في القضية وتلفق له تهمة المشاركة في سرقة البيضة الأولى، وبالتالي يجب عليه التعاون بالفعل مع أحدهم لإيجاد البيضة المسروقة وإثبات براءته.

بعيدًا عن أرقام وإحصائيات العرض التي لا تفصح عنها نتفليكس سوى للأفلام الناجحة فقط، فالفيلم من الناحية النقدية أثبت فشلًا كبيرًا، وقد حقق معدل 39% بناء على تقييمات 114 مراجعة.

اعتمد مخرج فيلم “ريد نوتيس” روسون مارشال ثيربر على خطة مضمونة النجاح، وهي تستند على كاريزما اثنين من أكثر نجوم العالم في الوقت الحالي خفة ظل وشعبية لدى الجمهور، وهما ريان رينولدز ودوين جونسون، بالإضافة إلى نجمة نسائية تصنف على أنها شديدة الجمال والحضور وهي غال غادوت، بالإضافة إلى بناء فيلم يتشابه إلى حد كبير مع فيلم آخر حقق نجاحًا باهرًا ومن بطولة رينولدز نفسه، وهو “الحارس الشخصي لقاتل محترف” (The Hitman’s Bodyguard).

ونجح فيلم “الحارس الشخصي لقاتل محترف” بسبب الانسجام الواضح ما بين بطليه ريان رينولدز وصامويل جاكسون والشد والجذب بينهما، وخفة ظلهما، وتوظيف كل ذلك في حبكة تعتمد على مزج الكوميديا مع مشاهد “الأكشن”، ولكن ذلك بالضبط ما غاب عن فيلم “ريد نوتيس” حيث افتقد بطلاه القدرة على الانسجام معًا، وفي الوقت ذاته، أتى السيناريو بدعابات غير مضحكة والأهم أن إيقاعها غير مضبوط مع باقي إيقاع الفيلم، فخرجت تجربة قد يعتبرها البعض سخيفة.

 

فيلم للأطفال

افتقد الفيلم للدافع المبرر لهذه العملية الإجرامية، ففي هذا النوع من الأفلام يجب أن يتوفر لدى الأبطال دافع للقيام بمهمتهم، يفوق حتى الحصول على الكثير من المال، خاصة في الأحوال التي تصبح المهمة مهددة لحياتهم، ولكن استخف سيناريو الفيلم بهذه النقطة ليقدم لنا قصة تصلح لإقناع الأطفال حول الـ300 مليون دولار التي يمنحها الملياردير المصري لمن يحضر له البيضات قبل زفاف ابنته التي أسماها كليوباترا.

وبإصرار الفيلم على عدم قتل أي من الشخصيات الفرعية أو حتى الثانوية -التي يطلق عليها كومبارس في مشاهد القتال والمطاردات المختلفة- نجد أنفسنا أمام فيلم هو بالفعل معد للأطفال، أو على الأقل حتى يوافق الآباء على أن يشاهده الأطفال.

يرجع السبب وراء ذلك إلى أمرين، الأول شعبية دوين جونسون الكبيرة بين الأطفال قبل الكبار، خاصة بعد تقديمه الأداء الصوتي لشخصية “ماوي” في فيلم الرسوم المتحركة “موانا” الشهير، ثم فيلمه الأخير “رحلة الغابة” (Jungle Cruise) مع “ديزني بلس” الذي حقق نجاحًا معقولا.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الأفلام العائلية أو المقبولة لتقديمها للأطفال تستهدف دومًا شريحة من المشاهدين أوسع من تلك ذات الفئات العمرية الأعلى والتي تحمل مشاهد أكثر عنفًا.

ومن وجهة النظر التجارية البحتة، فإن نتفليكس -بتسطيح فيلم “ريد نوتيس”- ترغب في عدد أكبر من المشاهدات ومن ساعات العرض كذلك، وهي المقياس الحقيقي لتحقيق الأرباح لديها.

وبالمعيار الوحيد المتوفر في الوقت الحالي -وهو قائمة الأعلى مشاهدة في البلاد المختلفة على منصة نتفليكس- فالفيلم بالفعل احتلها، وبالتالي على الرغم من مشاكله الفنية المختلفة، فقد يصبح الجواد الرابح القادم للمنصة.

يمكن اعتبار فيلم ريد نوتيس تجربة محاكاة لكل العوامل التي أسهمت في نجاح أفلام أخرى مشابهة من قبل، كما لو كان مصنوعًا على يد خوارزمية ما تحلل العناصر، وتقرر أيا منها يكون ملائما للفيلم أو غير ذلك، وافتقد إلى اللمسة الإبداعية التي تجعله متميزًا حتى لو كان فيلمًا نوعيًا تقدمه هوليود كالعديد من الأفلام الأخرى، فحتى تلك الأفلام يستطيع كل مخرج أن يضفي لمسته الخاصة عليها، لكن هنا كان المخرج مجرد منفذ لتقارير مشاهدات وأرباح نتفليكس والسينما الأخيرة.