لطالما جادل اقتصاديون بأن إنقاذ كوكبنا وأنفسنا من تداعيات أزمة مناخية يمر بالضرورة عبر إصلاح جذري للطريقة التي تعمل بها اقتصاداتنا، وتعود هذه المسألة مجددا للواجهة في ظل انعقاد قمة غلاسكو للمناخ “كوب 26” (COP26) التي ينصب فيها الاهتمام أساسا على تقليص مستوى انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وتسخير الإمكانات المادية للتكيف مع آثار تغير المناخ وتخفيف حدتها.
ويرى موقع ذا كونفرسيشن (The Conversation) الأسترالي أنه في الوقت الذي تتمحور فيه معظم الحلول المقترحة للحد من زيادة متوسط درجة الحرارة العالمية عن 1.5 درجة مئوية، حول التكنولوجيات ومصادر الطاقة البديلة، يرتكز اهتمام العديد من البلدان على “النمو الأخضر”، أي الاستمرار في تنمية الاقتصادات باستخدام مصادر الطاقة المتجددة بدلا من الوقود الأحفوري، وإدخال طرق أكثر فاعلية واستدامة لإنتاج السلع.
النمو الاقتصادي والتأثير السلبي
لكن بعض الاقتصاديين يعتقدون -حسب الموقع- أنه من المستحيل فصل النمو الاقتصادي عن تأثيره السلبي على البيئة، وينضوي هؤلاء ضمن حركة تدافع عن مقاربة “تخفيض النمو”.
وقد ظهر هذا المصطلح لأول مرة في سبعينيات القرن الماضي على يد مجموعة من المفكرين في فرنسا رأوا أن العالم بحاجة للابتعاد عن انشغاله بالنمو الاقتصادي، ومنذ ذلك الحين استمرت أفكارهم في اكتساب زخم وقوة أكبر، حيث ظهرت أفكار مشابهة مثل فكرة التخلي عن استخدام الناتج المحلي الإجمالي كمقياس للتقدم الاقتصادي.
وقد تساءلت وكالة البيئة الأوروبية في يناير/ كانون الثاني الماضي عما إذا كان الفصل الكامل للنمو الاقتصادي عن الضغوط البيئية أمرا ممكنا، مشيرة إلى أن المجتمعات تحتاج إلى إعادة التفكير في معنى النمو والتقدم، وأن بدائل تخفيض النمو وما بعد النمو تقدم رؤى قيمة في هذا الإطار.
وقبلها بأشهر قليلة، أكد الرئيس الأيرلندي مايكل هيغينز، أن الفشل في ضمان فصل كاف بين الأمرين “يعني أن تخفيض النمو يظل الإستراتيجية الوحيدة المستدامة لبقاء كوكبنا”.
مقاربة تخفيض النمو
ويؤكد سام ألكساندر، الباحث بمعهد ملبورن للمجتمع المستدام (Melbourne Sustainable Society Institute) في أستراليا، وهو أيضا أحد المدافعين عن مقاربة تخفيض النمو، أن هذه المقاربة تشكل نموذجا مجتمعيا أو اقتصاديا جديدا يعتمد على التقليص المخطط له لمتطلبات اقتصاداتنا من الطاقة والموارد بطريقة تعزز الحفاظ على البيئة وتضمن حصول كل واحد منا على ما يكفيه للعيش بشكل جيد.
ويستطرد ألكساندر قائلا إن هذا الأمر “لا يعني أننا سنعيش في كهوف على ضوء الشموع، يمكننا أن نعيش بشكل جيد وبموارد أقل، لكن هذا يتطلب إعادة التفكير في ثقافات الاستهلاك عالية التأثير”، فمثلا بالنسبة لمواطني الدول الغنية، قد يتطلب منهم الأمر قيادة سياراتهم مددا أقل وإعادة التفكير في نظمهم الغذائية والسفر أقل والعيش في منازل أصغر.
ويؤكد لورينزو فيورامونتي، أستاذ الاقتصاد السياسي بجامعة بريتوريا وعضو مستقل بالبرلمان الإيطالي، وأيضا أحد المنتقدين البارزين لهوس الحكومات بالنمو الاقتصادي والناتج المحلي الإجمالي، أن فكرة تخفيض النمو لا ينظر لها بشكل إيجابي في عالم السياسة.
ويضيف أن “البلدان التي لم تشهد أصلا نموا، لن تعتنق أبدا مقاربة تخفيض النمو، لو أخذناك مثلا إلى مالاوي سيقولون لك: أوه، لقد عانينا من تخفيض النمو على مدار الأعوام الـ50 الماضية ولا نعيش بشكل جيد، كما تعلم؟”.
سبل الرفاهية
ويدعو في المقابل إلى التركيز أكثر على سبل ضمان الرفاهية وعلى التدابير التي تحاول تحقيق التقدم نحوها.
أما بيث سراتفورد، الباحثة في كلية البيئة بجامعة ليدز في إنجلترا، فترى أن النقاشات بشأن “النمو الأخضر” و”تخفيض النمو” معرضة لأن تصبح هي نفسها في خطر، بسبب إغراق الجدل أحيانا بمفاهيم تقنية قد تنفر البعض.