يُعد يوم “الجمعة السوداء” من أهم الأيام التجارية في أميركا وأوروبا، ويوافق يوم الجمعة الذي يلي “عيد الشكر” الأميركي، المصادف لآخر يوم خميس من شهر نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام. في هذا اليوم، تقدم المتاجر خصومات ضخمة لعملائها، الذين ينتظرونه بفارغ الصبر عاما بعد عام. وفي عام 2024، سيوافق “الجمعة السوداء” يوم 29 نوفمبر/تشرين الثاني.
وعلى الرغم من أن هذا اليوم لا يحمل أهمية تاريخية في منطقة الشرق الأوسط، كما أنه ليس الأكثر نشاطا في التسوق مقارنة بمواسم مثل الأعياد ورمضان، فإن العروض الضخمة والتخفيضات الهائلة التي تقدمها المتاجر الكبرى ومواقع التسوق جعلت “الجمعة السوداء” يوما مميزا ومترقبا للغاية في منطقتنا، حيث بات جزءا من ثقافة التسوق السنوية.
اختلفت الروايات حول سبب تسمية الجمعة التي تلي عيد الشكر بـ”الجمعة السوداء”، رغم أنها تتزامن مع بداية موسم التسوق للعطلات وتحقق فيها مبيعات ضخمة. ومع ذلك، فإن التفسير الأكثر دقة يعود إلى أوائل الستينيات من القرن العشرين في مدينة فيلادلفيا. حينها، استخدم ضباط الشرطة المحليون عبارة “الجمعة السوداء” لوصف حالة الفوضى التي اجتاحت المدينة بسبب التدفق الكبير للسياح من الضواحي. هؤلاء الزوار كانوا يتدفقون إلى المدينة لبدء التسوق في العطلات، وأحيانا لحضور مباراة كرة القدم السنوية بين فريق الجيش وفريق البحرية التي تقام يوم السبت.
شهدت تلك الجمعة اختناقات مرورية، ازدحاما شديدا في الشوارع، وحوادث متعددة، بالإضافة إلى ارتفاع حالات سرقة المتاجر، مما تسبب في إرهاق شديد لرجال الشرطة الذين اضطروا للعمل ساعات إضافية للتعامل مع هذه الفوضى.
خلال سنوات قليلة، استقر استخدام مصطلح “الجمعة السوداء” في فيلادلفيا. ومع محاولة تجار المدينة تحسين صورة اليوم، اقترح البعض تسميته “الجمعة الكبيرة”، لكن الاسم الأصلي كان أكثر جذبا وانتشارا.
في أواخر الثمانينيات، توسع مفهوم “الجمعة السوداء” ليشمل جميع أنحاء الولايات المتحدة مع ظهور تفسير جديد أكثر إيجابية. زعم التجار أن المصطلح يرمز إلى تحول دفاتر الحسابات من الخسائر المسجلة باللون الأحمر إلى الأرباح المسجلة باللون الأسود، حيث تبدأ المتاجر بتحقيق أرباح كبيرة بفضل المبيعات الضخمة التي تتم بعد عيد الشكر.على الرغم من أن الرواية المتعلقة بتحقيق الأرباح “من الأحمر إلى الأسود” ساهمت في تعزيز جاذبية “الجمعة السوداء”، فإنها لا تعكس الحقيقة الكاملة. ففي الواقع، لم يكن هذا اليوم تاريخيا الأكثر ربحية؛ إذ غالبا ما تحققت ذروة المبيعات السنوية يوم السبت الذي يسبق عيد الميلاد. ومع ذلك، نجحت هذه القصة في تعزيز مكانة الجمعة السوداء كأهم أيام التسوق في الثقافة الأميركية.
مع مرور الوقت، لم يعد مهرجان “الجمعة السوداء” مقتصرًا على يوم واحد، بل امتد ليشمل عطلة نهاية الأسبوع بأكملها، وأحيانا يمتد لأسبوع كامل في بعض المتاجر. كما أصبحت المتاجر تفتح أبوابها في وقت أبكر كل عام لاستيعاب العدد الهائل من المتسوقين. أما اليوم، فقد تحول الحدث إلى ظاهرة عالمية، حيث تبنته متاجر ومنصات تسوق إلكترونية في مختلف أنحاء العالم، مما جعله موسما عالميا للخصومات.
رغم أن الجمعة السوداء تمثل موسما مغريا للتوفير بفضل الخصومات الكبيرة، فإن هناك العديد من الحيل التسويقية التي قد تدفع المستهلكين إلى شراء منتجات لا يحتاجونها. ومن أبرز هذه الحيل:
غالبًا ما تبدو الخصومات الكبيرة مغرية، لكنها قد لا تكون حقيقية كما تبدو عند النظر عن كثب. في بعض الحالات، تقوم المتاجر برفع الأسعار الأصلية للمنتجات قبل تطبيق الخصومات، مما يجعل التخفيضات تبدو أكبر من حقيقتها. أظهرت الدراسات أن المستهلكين يميلون إلى الثقة بالأرقام الكبيرة المعلنة في الخصومات، مثل “خصم 50%”، دون التحقق من السعر الأصلي، مما يؤدي إلى اتخاذ قرارات شراء عاطفية وغير مدروسة. هذا يؤكد أهمية التحقق من الأسعار ومقارنتها على مدار العام قبل اتخاذ قرار الشراء.
تعتمد المتاجر على أساليب الإلحاح مثل العد التنازلي أو رسائل مثل “العرض ينتهي خلال ساعة!” لتحفيز الشراء السريع. هذا التكتيك يعتمد على إثارة شعور الخوف من فوات الفرصة، مما يدفع المستهلك لاتخاذ قرار سريع دون تقييم الحاجة الحقيقية.
تقوم بعض المتاجر خلال التخفيضات الكبرى بعرض منتجات ذات جودة أقل أو قريبة من انتهاء الصلاحية. في بعض الحالات، تُصنع هذه المنتجات خصيصًا لمواسم مثل الجمعة السوداء باستخدام مواد أرخص، مما يجعلها أقل متانة وكفاءة مقارنة بالنسخ الأصلية المعتادة من نفس المنتج.
تقدم المنتجات في حزم تحتوي على أكثر من عنصر بسعر مخفض. قد يبدو العرض مغريًا، لكنه يتضمن غالبا عناصر إضافية قد لا تكون مفيدة أو ضرورية للمستهلك، ما يؤدي إلى شراء أشياء غير مخطط لها.