أعلن علماء من جامعة ساوثهامبتون البريطانية عن تمكنهم من تخزين الجينوم البشري بالكامل في شريحة بلورية خماسية الأبعاد تعمل ذاكرة تخزين، ويمكنها البقاء دون تلف أو التأثر بالظروف الطبيعية لمليارات السنين.

والجينوم أشبه ما يكون بكتاب يحمل الشفرات التي تمثل أوامر بناء كل شيء في جسم الكائن الحي، بداية من لون العينين والشعر وطول العظام وصولا إلى أدق التركيبات الخلوية.

وبحسب بيان صحفي رسمي صادر عن الجامعة، فإن هذه البلورات يمكنها تحمّل درجات التجمد المنخفضة جدا ودرجات الحرارة التي تصل إلى ألف درجة مئوية، ويمكن لها أيضا تحمّل قوة التأثير المباشر التي تصل إلى 10 أطنان لكل سنتيمتر مربع ولا تتغير بالتعرض الطويل للإشعاع الكوني.

وبلورات الذاكرة هذه يمكنها تخزين ما يصل إلى 360 تيرابايتا من المعلومات دون فقدان أي منها، وهي تحمل الرقم القياسي العالمي لأكثر مواد تخزين البيانات متانة.

ولبناء بلورات كتلك يستخدم العلماء أشعة الليزر فائقة السرعة لنقش البيانات بدقة في فراغات نانوية داخل السيليكا (مركب كيميائي يتكون من عنصري السيليكون والأكسجين) بأحجام ميزات صغيرة تصل إلى 20 نانومترا، والنانومتر هو جزء من المليون من المليمتر.

وعلى خلاف التسجيل المعتاد عن طريق الكتابة على سطح شريحة ثنائية البعد تستخدم طريقة الترميز التي لجأ إليها هذا الفريق 5 أبعاد، وهي بعدان بصريان و3 إحداثيات مكانية للكتابة في جميع أنحاء المادة، ومن هنا جاءت التسمية.

وعند تصميم البلورة نظر الفريق فيما إذا كانت البيانات المحفوظة داخلها يمكن استرجاعها بواسطة ذكاء يأتي بعدنا في المستقبل البعيد، وقد نقشوا مفتاحا بصريا على البلورة حتى يتمكن من يجدها من معرفة بالبيانات المخزنة داخلها وكيف يمكن استخدامها.

وبينما يختبر كوكب الأرض انقراضا سادسا كبيرا بحسب فريق من الباحثين -إذ تختفي الأنواع بمعدلات أسرع بمئات المرات مقارنة بالمتوسط الطبيعي- فإن تسجيل الجينومات الخاصة بالكائنات الحية بات ضرورة، خاصة تلك النباتات التي يستخدمها البشر.

ولا يمكن حاليا إعادة بناء كائن حي صناعيا باستخدام المعلومات الجينية وحدها، ولكن حدثت تطورات كبيرة في علم الأحياء الصناعي في السنوات الأخيرة، ولا سيما إنشاء بكتيريا صناعية بواسطة فريق الدكتور كريج فينتر في عام 2010، الأمر الذي يفتح الباب مستقبلا لاستعادة كائنات منقرضة.

وإلى جانب ذلك، يأمل الفريق أن توفر البلورة مخططا لإعادة البشرية من الانقراض بسبب حادث كوكبي هائل ما بعد آلاف أو ملايين أو حتى مليارات السنين في المستقبل.

وقد خزّن البشر طوال تاريخهم الطعام والمعرفة في حالات الحرب والأوبئة، لكن بحسب الباحثين فقد آن الأوان لنسجل ما هو أثمن، وهي المعلومات الوراثية التي يمكن فيما بعد استخدامها لاعادة كائنات حية منقرضة إلى الحياة.