اشتهرت منصة نتفيلكس باستقطابها نجوما ونجمات في أفلام قد لا تتناسب مع مكانتهم السينمائية، أفلام سريعة الزوال، فما إن تُعرض حتى يتم مشاهدتها على نطاق واسع، وتصبح الأعلى مشاهدة، ثم تذوب وتختفي تحت ركام عشرات الأفلام المماثلة التي عُرضت من قبل.

عرضت منصة نتفيلكس مؤخرًا فيلما جديدا ينتمي لهذا النوع من الأفلام، وهو “مسألة عائلية” (A Family Affair) يحمل على ملصقه الإعلاني اسم الفائزة بالأوسكار والعديد من الجوائز الأخرى نيكول كيدمان ونجم أفلام الكوميديا الرومانسية زاك إيفرون.

تبدأ أحداث فيلم “مسألة عائلية” بالفتاة العشرينية “زارا” (جوي كينغ) تعمل لدى الممثل الشهير والناجح “كريس كولي” (زاك إيفرون)، الذي وعدها عند توظيفها بتدريبها لتصبح منتجة لأفلامه، غير أنه يستغلها في الأعمال الوضيعة التي لا تعطي لها أي فرصة للتقدم الوظيفي.

تغضب الفتاة من هذا الوضع فتستقيل، وعندما يحاول كولي استعادتها يقابل والدتها الكاتبة الحائزة على الجوائز، المثقفة للغاية والأرملة منذ عقد من الزمان، “بروك هاوارد” (نيكول كيدمان)، ومن هنا تبدأ الحبكة الحقيقية وسريعا ما تظهر شرارة الحب بين الاثنين اللذين يتحولان خلال ساعات قليلة إلى حبيبين على الرغم من غضب الابنة والفارق العمري والثقافي والاجتماعي بينهما.

يعتمد فيلم “مسألة عائلية” على البناء الأساسي للكوميديا الرومانسية، من شخصين وسيمين يقعان في الحب ثم تفرق بينهما العقبات سواء العائلية أو الاجتماعية غير أنهما في النهاية يستطيعان تجاوزها، وهو الأمر الذي لا يعيبه بالضرورة، فمئات الأفلام قبله اعتمدت على ذات البناء واستطاعت تقديم التسلية والدفء للمشاهدات والمشاهدين.

بينما “مسألة عائلية” أخفق فيما أفلح فيه الآخرون لأنه افتقد الكثير من عوامل النجاح وعلى رأسها السيناريو الذي لم يبن أي من شخصياته بشكل منطقي يبرر أفعالها خلال الأحداث، فعلى سبيل المثال يخبرنا الفيلم -على لسان أبطاله- عن التناغم العاطفي والعقلي بين بروك وكريس.

ولكنه لم يوضح من أين نبع هذا التناغم في ظل أن كليهما مختلف عن الآخر من حيث الخلفية الثقافية والاجتماعية، بالإضافة إلى تغيير زارا رأيها في علاقة والدتها برئيسها في العمل عدة مرات ودون أي أسباب منطقية غير أن السيناريو يحرك الممثلين مثل قطع الشطرنج دون أي روح حقيقية وبناء منطقي للأحداث.

عيب آخر واضح للغاية هو غياب الانسجام بين الممثلين وبعضهم بعضا، فظهرت المشاهد العاطفية على وجه الخصوص مفتعلة وفي الكثير من الأحيان ركيكة مثل المشهد الطويل على شاطئ البحر للبطل والبطلة مع موسيقى تصويرية رومانسية في الخلفية، والذي ليس سوى تكرار لكل هذه المشاهد المماثلة في الأفلام السابقة.

على عكس المشاهد التي تجمع بين نيكول كيدمان والممثلة المخضرمة كاثي بيتس التي قدمت دور محررة البطلة الأدبية ووالدة زوجها السابق، فكلتا الممثلتان تتمتعان بالموهبة والذكاء لاستحضار دفء في لقطات محدودة وعلاقة غير مبنية بوضوح.

شهد القرن الواحد والعشرون انحسار الضوء عن الأفلام الكوميدية الرومانسية المحتفى بها بشدة خلال عقد التسعينيات، ربما لم تستطع هذه الأفلام تجديد دمائها، أو أن الجيل الذي دأب على مشاهدتها كبر فلم تعتد تجتذبه، أو ظهرت أنواع سينمائية أخرى سحبت من أسفل أقدامها البساط مثل أفلام الأبطال الخارقين المتعددة الأجزاء والأبطال.

على الجانب الآخر أعطت المنصات الإلكترونية مؤخرا قُبلة الحياة لهذه الأفلام، لتغذي بها مكتبة أفلامها الواجب إنماؤها بشكل حثيث للحفاظ على مشاهديها من كل الفئات العمرية سعداء، جاء بعض هذه الأفلام منخفض الميزانية بممثلين جدد وحبكات عتيقة.

واستعاد بعضها نجمات كبرن في العمر فيقدمن الآن أدوارا تداعب أحلام النساء الناضجات في الوقوع في الحب مرة أخرى بعد الخمسين مثل العارضة والممثلة بروك شيلدز التي قدمت 3 أفلام على هذه الشاكلة في 3 أعوام على نتفيلكس ومنصة “إتش بي أو”، واليوم نيكول كيدمان و”مسألة عائلية”.

أحد أسباب هذا الإحياء يرجع لحاجة المنصات ومشاهديها للمحتوى حتى وإن تكرر، ولكنه في الوقت ذاته يضرب النوع السينمائي في مقتل بابتذاله المستمر والمتكرر في أفلام متواضعة المستوى أو متوسطة على أفضل تقدير، وبالتالي انعدم التجديد والابتكار، وأصبح المتغير أسماء الممثلين وبضعة تفاصيل صغيرة في الحبكة.

يمكن ضرب المثل بفيلم “مسألة عائلية” على هذه الأفلام القاتلة لنوع الكوميديا الرومانسية، وقد توفر له أسماء نجوم من الصف الأول، ومخرج قدم من قبل عدة أفلام شهيرة تنتمي لهذا النوع منها “جسور مقاطعة ماديسون” (The Bridges of Madison County) ككاتب.

كما قدم فيلم “ملحوظة: أنا أحبك” (P.S. I Love You) كمخرج وكاتب، غير أنه لم يستطع الاستفادة من الميزانية ونجومه وخبرته السابقة في صنع فيلم متماسك قادر على إثارة الدفء في قلوب مشاهديه، وضمان تسليتهم في آن واحد.

 

على الجانب الآخر، أفلحت نيكول كيدمان في الهروب من فخ مرحلة منتصف العمر في مسيرة الممثلات، عندما لا يستطعن تقديم أدوار الشابات شديدات الجمال الواقعات في الحب، ولم يحن الأوان لأدوار الجدات في خلفية الأحداث.

وذلك باختيارها عدة أفلام ومسلسلات مميزة منذ 2016 منها فيلم “ليون” (Lion) والذي قدمت فيه دور أم لشاب هندي الأصل يكافح لفهم هويته المتشابكة وفازت عنه بالغولدن غلوب وترشحت للأوسكار.

وكذلك مسلسل “أكاذيب كبيرة صغيرة” (Big Little Lies) والذي فازت عنه أيضا بجائزتي غولدن غلوب، غير أنها تخلت عن هذه الأدوار الجدية لصالح فيلم “مسألة عائلية” الذي ربما تمت مشاهدته بشكل واسع على منصة نتفيلكس ولكنه يعتبر تراجعا في مسيرتها الفنية.

“مسألة عائلية” لا يتجاوز كونه محتوى لا يمكن مشاهدته بجدية، عمل يمكن تشغيله في خلفية ضوضاء غرف المعيشة على شاشة التلفاز، ويسهل نسيانه بمجرد أن ينتهي.