رغم أن معظمنا ينظر إلى الفوضى باعتبارها “علامة على الكسل”، يؤكد عالم النفس الأميركي مايكل تومبكينز أن هناك أسبابا أخرى غير متوقعة قد تجعل الشخص فوضويا؛ بدءا من مراحل الحياة، إلى السمات الشخصية، وحتى الصحة العقلية.

وهو ما يجعلنا نعود إلى الخبراء، لمعرفة الفرق بين الفوضى العابرة، والفوضى الضارة التي يمكن أن تتحول إلى مشكلة تسبب لنا الضيق؛ من خلال استعراض الأسباب الخفية الستة التي قد تجعل الشخص منا فوضويا.

تقول المؤلفة والمختصة النفسية، تيري ماتلين؛ إن الفوضى وانعدام التنظيم، من الأعراض المميزة لاضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، حيث تكون القدرات التنفيذية لدماغ الشخص، ضعيفة بشكل ملحوظ. وهو ضعف يشمل: انعدام التخطيط، واستثقال بدء المهام وإكمالها، وصعوبات في الذاكرة؛ بحسب تومبكينز، الذي يُضيف أن “مواجهة الشخص صعوبات في الذاكرة، قد يجعل من الصعب عليه متابعة مهام معينة من بدايتها إلى نهايتها؛ وهو ما يشتت الانتباه بسهولة”.

ويضرب مثالا على تسبب هذه الحالة في “اتخاذ قرارات فوضوية أو غير واعية”، بتشتت انتباه أحدهم لمجرد تحية حيوانه الأليف له أثناء دخوله إلى المنزل، وهذا ما يجعله يضع مفاتيحه على الكرسي، بدلا من وضعها في الوعاء المخصص لها. ويعقب تومبكينز قائلا: “إن الفوضى هنا يمكن أن تحدث بسبب نقص الانتباه، حيث يجد الشخص صعوبة في الالتزام بوضع الأشياء في مكانها”.

كما توضح ماتلين أن الأشخاص الذين يعانون من اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، “قد يشعرون بالإرهاق من الخطوات التي يتطلبها إكمال المهام، وهو ما قد يؤدي إلى التوقف وعدم القدرة على إنهاء الفوضى”. وتضرب مثالا بسيدة منهمكة في قراءة مجلة، تلاحظ أنها نسيت غسل صحون العشاء، وأن هناك ملابس في الغسالة منذ أيام؛ فتتساءل في حيرة: من أين تبدأ؟ ثم تقرر تجاهل الأمر.

وهو ما تفسره عالمة النفس والمدربة في كلية الطب بجامعة هارفارد، ناتالي داتيلو؛ بأن المهام البسيطة أو التي ليس لها موعد محدد -مثل الأعمال المنزلية، وطي الغسيل، أو إعادة الأطباق إلى مكانها- “تكون أكثر صعوبة على الأشخاص المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه”.

تؤكد داتيلو أن “حالتنا الذهنية، يمكن أن تحدد شكل المكان الذي نعيش فيه”، فقد يكون منزلنا مزدحما وفوضويا، لأننا مُرهقون للغاية وغير منظمين ذهنيا، لدرجة تجعلنا لا نستطيع التأكد من أن كل شيء في مكانه.

وتفسر الأمر بأن دوافعنا تأتي من جزء في الدماغ يتوقع المكافأة، وعندما نشعر بالاكتئاب، يتوقف هذا الجزء عن العمل بشكل فعال؛ وهو ما قد يخلق شعورا باللامبالاة.

لذا، من المرجح أن يشعر الشخص الذي يعاني من الاكتئاب بانخفاض الطاقة ونقص الحافز، وهو ما يزيد من صعوبة قيامه بمهمة صعبة مثل التنظيم أو التنظيف أو الترتيب.

ويضيف تومبكينز أن “الاكتئاب والقلق يمكن أن يسببا أيضا صعوبة في التركيز، وهو ما قد يجعل المهام الصغيرة مرهقة”.

كما تشير داتيلو، إلى أن “الدراسات أظهرت أن الفوضى في منازلنا ترتبط بمستويات عالية من هرمون التوتر (الكورتيزول)”؛ لذلك، لا يؤثر الشعور بالاكتئاب أو القلق على عملنا فحسب، “بل يمكن أن يجعلنا المنزل الفوضوي نشعر بمزيد من التوتر والإرهاق”.

فالمراحل الانتقالية والتغييرات الكبيرة في الحياة يمكن أن تكون مرهقة، لدرجة قد تؤثر على قدرة البعض على منع الفوضى، “حتى بالنسبة لشخص كان بطبيعته مرتبا”؛ كما يقول تومبكينز، موضحا أن الإنسان عندما يعاني من “ضغوط نفسية اجتماعية”، قد تضعف قدرته على التأقلم.

فإنجاب الأطفال وما يترتب عليه من بكاء متواصل وطلبات كثيرة وفوضى شاملة، يمكن أن يشكل مرحلة انتقالية مرهقة، خصوصا بالنسبة للآباء الذين يعانون من اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، ويعتبرون الاعتناء بأنفسهم أمرا صعبا.

بالإضافة إلى بعض التحولات الحياتية الأخرى التي قد لا تقل صعوبة؛ كالزواج أو الطلاق؛ أو فترة ما قبل انقطاع الطمث، وانقطاع الطمث.

تقول ماتلين: “إن مثل هذه التجارب الانتقالية، تجعل من يمرون بها متوترين ويميلون إلى التقليل من إنجاز الأمور في المنزل”.

يقول جوزيف فيراري، أستاذ علم النفس في جامعة ديبول الأميركية: “قد يكون التخلص من الفوضى أمرا مرهقا عاطفيا، لأنه قد يُشكل حافزا لإثارة ذكريات الماضي”؛ وخصوصا عند القيام بتنظيم عناصر مثل الأكواب أو الأواني المتوارثة، أو تذاكر الحفلات والرحلات، أو الهدايا التذكارية.

حيث نلتقط الأشياء ونقول: كم أتذكر تلك الرحلة، أو ما زلت أعتز بهذا الشخص؛ وهكذا، “مما قد يجعل الشيء المراد التخلص منه يجلب مشاعر إيجابية، فنقرر الاحتفاظ به؛ أو يُعيد مشاعر سلبية، فنتحاشى التعامل معه”، بحسب الدكتور فيراري.

يمكن للشخصية أن تلعب دورا في مدى اهتمام المرء بالتنظيم والترتيب، “خاصة عندما يتعلق الأمر بالضمير”، كما تقول داتيلو؛ موضحة أن “أصحاب الضمائر الحية يميلون لإظهار الحرص على النظام والإخلاص والانضباط الذاتي”. أما ذوو الضمير المنخفض، “فيميلون إلى أن يكونوا غير منظمين، وأكثر استسهالا وأقل اهتماما”.

وتُضيف أن “معظم الناس يكونون في منطقة وسط بين هاتين الحالتين”، لكن الأشخاص من ذوي الضمير المنخفض، قد يجدون صعوبة في الحفاظ على مساحة منظمة من حولهم، بل إنهم لا يبالون بوجود الفوضى أصلا.

في إحدى حلقات برنامج تدوين صوتي تقدمه جمعية علم النفس الأميركية، قال الدكتور فيراري إن الأشخاص الأقل حسما والأكثر ترددا وتسويفا، هم الأكثر فوضى، موضحا أن هذا النوع من الأشخاص لا يتخذون قرارا أو يحددون خيارا في كثير من الأحيان، تجنبا لإلقاء اللوم عليهم، بسبب نتائج قراراتهم أو اختياراتهم.

فمن يتهرب من اتخاذ قرار بشأن وضع أشياء معينة في مكان معين، أو التخلي عنها، أو الاحتفاظ بها؛ “غالبا ما ينتهي به الأمر إلى تجنب الأمر تماما، حتى لو بقيت الفوضى في مكانها”.