على هامش الدورة الثالثة والثلاثين من معرض ابو ظبي الدولي للكتاب أقيمت ندوة أدبية تحت عنوان “هل يجوز ترجمة الشعر؟” وشارك فيها كل من الناقد والمترجم السعودي الدكتور سعد البازعي والشاعر والمترجم الإماراتي عادل خزام والشاعر والمترجم والاقتصادي الإماراتي الدكتور شهاب غانم وبإدارة الشاعرة سليمة المزروعي.

وفي معرض تقديمها لموضوع الندوة قالت الشاعرة سليمة المزوروعي إن ترجمة الشعر تعد أكثر القضايا الأدبية خلافا وتأويلا وتجليات بل أكثرها مغامرة وجرأة على مستوى النظم والمعنى وطالما يحمل الشعر أبعاده الإنسانية فهو سيظل هاجس الإنسان في كل مكان وزمان.

وكان رأي الدكتور البازعي أن ترجمة الشعر قائمة منذ أن عُرِف الشعر تقريبا، وكانت هناك دائما مساعيا لنقل الأعمال الشعرية من لغة إلى أخرى لكن الوعي المعرفي والنظري بالإشكاليات التي تترتب على عملية ترجمة الشعر تطور في السنوات الأخيرة وتحديدا في القرن العشرن مع ظهور المدارس والنظريات والتيارات والمصطلحات النقدية المختلفة.

ويعتقد البازعي أن ترجمة الشعر تحدث في كل لغات العالم رغم الصعوبات التي تكتنف هذه العملية.

وتابع: بعض الآراء تقول بإستحالة ترجمة الشعر بمعنى استحالة نقل القصيدة من لغة إلى اخرى كما هي في لغتها الأصلية وأنا من مؤيدي هذا الرأي، لأننا لا نترجم الشعر كما هو وإنما نترجم قرائتنا للقصيدة، ونترجم وعيّنا بالنص وما تذوقناه منه، رباعيات الخيام مثلا هي ليست بالضبط ما كتبه عمر الخيام وإنما ما وصل إلى ذاكرتنا ومعرفتنا وما اختاره المترجم من شعر الخيام ليترجمه، وأذكر بهذا الصدد المشكلة التي واجهت احمد الصافي النجفي وذكرها في مقدمة ترجمته للرباعيات، حيث إضطر إلى حذف بعض الرباعيات إما لصعوبة ترجمتها وإما لأنها لا تتوافق مع الذائقة العربية واعتقد أن هذا ما فعله المترجمون الآخرون بالنسبة للرباعيات فما وصلنا من ترجمات ليست ما كتبه الخيام، بل هي قراءة المترجمين لهذه النصوص. وأذكر بهذا الصدد الشاعر الفرنسي إيف بونفوا وهو من أشهر شعراء فرنسا في القرن العشرين، وقال ايضا باستحالة ترجمة الشعر من لغة إلى أخرى، انما ما نستطيع ترجمته هو تفاعلنا مع النص، مثال على ذلك هو ترجمته لقصيدة  للشاعر الإيرلندي وليم ييتس حيث عدّل إيف بونفوا العنوان وصرح كذلك أنه غيّر عدة كلمات، لأن الفرنسية لا تستطيع أن تنقل ايحاءات القصيدة بمفرداتها الأصلية، لذلك اعتقد إننا اولا نحتاج إلى ترجمة الشعر من كل أنحاء العالم لكننا لا ينبغي أن نقع تحت وهم إننا عندما نقرأ هذه الترجمات فاننا نقرأ الشعركما كُتبَ بلغته الأصلية، أن لغة الشعر كما هو معروف أكثر لغات الأدب امتلاء بالإيحاء والرمزية ومن هنا فإن نقل كل هذه الإيحاءات من لغة إلى اخرى هي عملية مستحيلة.

وتعقيبا على مداخلة من مديرة الجلسة الشاعرة سليمة بأن مترجم الشعر يتحرر من نفسه ومن قيود الأصل ويتخلى عن المبنى لينصهر في المعنى وقد يأتي بنص لا يشبه النص الأصلي ويقال بأنه النص الموازي وأحيانا يتجاوز النص الأصلي والسؤال كيف تكون علاقة القارئ بالنص الأصلي ومدى خلود النص الأصلي مقارنة بالنص الموازي وكما يقول الفيلسوف والمترجم الألماني فالتر بنيامين إن الترجمة تمنح النص الأصلي حياة متجددة، جاء رد الشاعر والمترجم الدكتور شهاب غانم على شكل قصيدة يقول فيها:
“لا تبذل جهدك في ترجمة قصيدة
إن كانت في المعنى محدودة
أو كانت في المبنى مكدودة
ليس جميع الشعر يترجم.
ضع جهدك في جميل يفهم
فكيف بنص مبهم”.

 

وأضاف الشاعر شهاب غانم؛ أن الجاحظ يقول في كتابه الحيوان إن الشعر لا يترجم وقد قرأت تراجم شعرية منذ كنت طفلا، مثل تراجم لقصائد الشاعر الإنكليزي الفريد تينسون ورباعيات الخيام وغيرها الكثير، لكن من جعلني اقتنع بإمكانية ترجمة الشعر هو قراءتي لأحد النصوص المقررة علينا في الثانوية العامة، وهي ترجمة إدوارد فيتزجيرالد لرباعيات الخيام، ولم أكن حينها أعرف النص الأصلي لكن ترجمة فيتزجيرالد أعجبتني جدا وجعلتني أقتنع أنه اذا كان الشعر بهذا الجمال، فحتما أن ترجمته بالضرورة جميلة.
وتابع: عرفتُ فيما بعد أن فيتزجيرالد لم يلتزم بالنص الأصلي بدقة وأخذ حريته وعبرعن فهمه للرباعيات، وبما إنه كان شاعرا فيكتوريا كبيرا لكن الناس عرفته كمترجم للرباعيات أكثر من كونه شاعرا.

والحقيقة كما قال غانم إن “ما ذهب اليه الجاحظ تضيّق موضوع الترجمة ضيقا شديدا لكن من رأيي أن الشعر قابل للترجمة خصوصا تلك النصوص التي أطلقتُ عليها نصوصا عابرة للغات؛ وهي النصوص الإنسانية التي تصلح أن تُقرأ في كل مكان وزمان تقريبا. ابو الطيب المتنبي مثلا وهو من أعظم شعراء العربية لكن ترجمة شعره إلى اللغات الأخرى قاصرة دائما عن بلوغ عظمة شعره بالعربية”.

أما الشاعر عادل خزام فكان تعقيبه على سؤال؛ أن ما يجعل ترجمة الشعر أمرا شائكا هو المترجم ذاته، فلا يكفي أن يكون متقنا للغة الاخرى التي يترجم اليها، بل لا بد أن يكون منغمسا في النسق الثقافي للغة القصيدة، وبكل ما تحمله من ملامح جمالية وثقافية، وهل أن جمالية النص الشعري المترجم تعتمد على روح القصيدة أم تقنياتها اللغوية؟

يقول الشاعر عادل خزام إن: هناك تفاصيل كثيرة تدخل وتساهم في لحظة ترجمة النص الشعري وهناك مقولة متداولة إنه لا يترجم الشعر إلا شاعر ووجدت في التجارب الكثيرة التي اطلعت عليها في الترجمة أن بعض المترجمين لم يكونوا شعراء وبعضهم شعراء يمتلكون ذائقة مغايرة للسائد.

وهنا تبدأ الإشكالية بحسب خزام: فعندما يكون الشاعر منتميا إلى تيار معين لفهم الشعر وروحه، وهناك شاعر آخر كلاسيكيا  وشاعر ثالث وسطيا بين الإثنين، فكل واحد من هولاء يترجم القصيدة بمنهجية معينة وبفهم معين للشعر.

وتابع: عن تجربة شخصية أحيانا أنا نفسي اترجم قصيدة ما اليوم بطريقة وغدا حين ألقي عليها نظرة أخرى  أغيّرها وأجري تعديلات عليها.

ويعتقد أن الأهم ما دمنا تجاوزنا مراحل الأسئلة الاولى عن جدوى ترجمة الشعر وكيف يترجم وهل يفقد معناه وأسلوبه وبنيته وقد أشبعت هذه الأمور بالنقاش والحديث عنها أكاديميا وفلسفيا، اصبحت الترجمة الان ضرورية في كل ثقافات العالم وفي الحراك العالمي الثقافي، فلكي تُترجم القصيدة على الشاعر أو المترجم أن يمنحها من روحه وأن يُعربها أو يجعلها عربية بمعنى ما، فالكثير من الترجمات تُشعرك بغرابتها وجمودها، وتحسّ أن المترجم نقلها نقلا آليا ولم يعط اللغة العربية هذه الروح الشفيفة الجمالية، وبالتالي يجب على المترجم أن يلتفت لهذه التفاصيل وأن يحاول تعريب القصيدة، حتى لو يضطر إلى خيانتها أو خيانة النص الأصلي، وأن يضع في حسبانه إنه يخاطب عقلية أخرى، فاذا قدمت النص الشعري للقاري العربي بطريقة جامدة ستفشل الترجمة، وعلى المترجم أن يكون واعيا بحريته لحظة الترجمة، وعلينا جميعا طرح اسئلة جديدة حول حرية الترجمة وتبني مفاهيم جديدة في عملية الترجمة لكي نتحرر من القوالب التقليدية.

ويظن خزام أن إضافة كلمة أو محسنات أو ما يشبه البهارات اللغوية على القصيدة المترجمة سيكون في صالح الترجمة وهو أمر ضروري.