تواجد وثائقي “العهد: قصة موسى” (Testament: The Story of Moses)، للمخرج والكاتب البريطاني بنيامين روس، ضمن قائمة أكثر الأعمال مشاهدة في 55 دولة حول العالم منذ بدء عرضه على “نتفليكس” يوم 27 مارس/آذار الماضي.

ويعرض الفيلم، الذي ينقسم إلى 3 أجزاء، أحداث قصة نبي الله موسى من خلال رؤية توراتية، كما يصوّر العبرانيين ضحايا استعباد الفرعون لنحو 400 عام حتى جاء موسى ليحررهم.

انضم “العهد: قصة موسى” إلى مئات الأفلام والمسلسلات التي شارك فيها صناع السينما في تقديم قصص الأنبياء، وخاصة النبي موسى، بدءا من المخرج الأميركي سيسيل دي ميل الذي قدم فيلم” الوصايا العشر” (Ten Commandments) مرتين، الأولى بفيلم صامت عام 1923، ثم نفذه ناطقا عام 1956. أما آخر فيلم تم إنتاجه عن نبي الله موسى، فهو فيلم “الخروج: آلهة و ملوك” (Exodus: Gods and Kings) الذي صدر عام 2014 للمخرج البريطاني ريدلي سكوت.

ويستعرض “العهد: قصة موسى” حياة نبي الله بدءا من الطفولة في المهد، ومرورا بحياته في البلاط الفرعوني، ثم حادثة القتل التي اضطرته للهرب، لتبدأ بعدها رحلة النبوة والتكليف بالرسالة وتحرير قومه.

جمع العمل بين السرد الدرامي للقصة حسبما جاءت في العهد القديم والملاحظات العلمية الحديثة والتفسيرات للقصة، التي تبدأ في سفر الخروج وتنتهي في سفر التثنية، وتقدم المقابلات مع مؤلفين، مثل جوناثان كيرش والدكتورة سيلين إبراهيم، وحاخامات مثل راشيل أدلمان، وقساوسة مثل توم كانغ، تفسيرات مثيرة للاهتمام لأحداث القصة.

ويعيد المتخصصون النظر في ترجمات النصوص القديمة ودلالاتها، كما يسلطون الضوء على كيفية تحدي امرأة فرعون له باعتباره سلطة و باعتباره رجلا، ويناقشون المرويات التوراتية عن الانتقام الإلهي الوارد في النصوص اليهودية.

تبدو الرواية “صوتا” منفصلة تماما عن الرواية “صورة”، فبينما يحكي الرواة قصة النبي موسى ويقدمون تحليلات وتفسيرات ترتبط بعقيدة كل منهم، فإن المشاهد الدرامية تحكي قصة أخرى حول ثورة مجموعة من البدائيين غير المتحضرين.

كان هؤلاء العبرانيون قد اختطفوا من قبل الفرعون واستعبدوا، ويظهرون في المشاهد وقد افتقروا إلى كل ما يمت إلى “التحضر” بصلة، فالصوت العالي والتوتر والشجار باليد هو السائد بينهم رغم عاطفتهم القوية.

أما في القصر الفرعوني، فنجد العكس تماما، حيث الأناقة والصوت الهادئ والاحترام المتبادل إلا في مشهد وحيد حين يغضب الفرعون، فيصفع وزيره هامان.

الحكاية البصرية هنا تتخذ موقفا مضادا للعبرانيين، وتنتصر للفرعون الذي جاء كل مشهد له مصورا بعناية شديدة، فالكاميرا إما من المستوى الأسفل ليظهر الفرعون هائل الحجم وعظيم، أو موازية له لإبقائه في حالة حضور دائم.

وقد يبرر ذلك بحياة العبودية وعجز العبد عن امتلاك إرادته، لكنه سيصبح عذرا أقبح من ذنب، لأن هؤلاء العبيد قاموا بتحرير أنفسهم بالخروج، وبتحرير أرواحهم بالإيمان.

على عكس كل ما قدم من قبل، يسجل للمخرج والكاتب بنيامين روس في بداية عمله بوضوح أن القصة التي تتم روايتها اعتمدت على تفاصيل مستقاة من ديانات متعددة، بعبارة قالت “هذا المسلسل عبارة عن رؤية استكشافية لقصة موسى والخروج بناء على دمج آراء علماء دين ومؤرخين من مختلف الثقافات والديانات تهدف مساهماتهم إلى إثراء السرد، لكن يجب عدم اعتبارها رواية متفقا عليها”.

صدق المخرج في ما يخص “السرد المباشر” من خلال ضيوف العمل أو المعلقين الذين تولوا جزءا قصصيا قليلا جدا، وجزءا تحليلا كبيرا، لكن المشاهد الدرامية التي كانت هي البطل الحقيقي للعمل وأبرز ما فيه، احتوت على الرواية التوراتية فقط، وبالتحديد، اعتمدت على رواية سفر الخروج وسفر التثنية.

يحتاج صانع الفيلم الوثائقي -الذي يهدف لإعادة سرد قصة تاريخية- إلى علماء في التاريخ لسرد القصة، لكنه استعان باثنين من أساتذة الآثار المصريين، ثم بحاخامات وقساوسة ليكونوا ممثلين للمسيحية واليهودية، وبالتالي بعث برسالة ملخصها أن التوراة هي كتاب التاريخ والدين معا، وهو ما تحقق أيضا بتحويل نصوص “سفر الخروج” من التوراة إلى مشاهد درامية.

وترتب على الاستعانة بمصدر واحد عدد من الأخطاء، من بينها أن من تبنت موسى عليه السلام حين حملته مياه النيل رضيعا هي شقيقة الفرعون الحاكم، على عكس الرواية الإسلامية التي تقول إن من التقطه “امرأة فرعون” أي زوجته، وهي السيدة آسية بنت مزاحم.

واختار صناع “العهد: قصة موسى” رمسيس الثاني باعتباره “فرعون موسى” وهو أمر غير دقيق لسببين: أولهما أن جثة رمسيس الثاني المحنطة والمحفوظة في أكبر متاحف مصر تشهد أنه لم يمت غريقا كما في قصة النبي موسى، أما ثانيهما فهو أنه لا يوجد ما يثبت ذلك تاريخيا أو من حيث الآثار أو الأدلة المادية التي قد يعثر عليها الأثريون.

واستعان بنيامين روس بالممثل الإسرائيلي آفي أزولاي لتجسيد دور النبي موسى، والألماني من أصول تركية محمد قورتولوش لتجسيد دور الفرعون، وخاض الممثلان في المشاهد التي جمعتهم منافسة حقيقية في كسر إيقاع الحركة للشخصية التي يجسدها كل منهم، وذلك رغم الجهود الواضحة للمخرج التي ظهر أثرها على لازوري لإظهار النبي موسى بمظهر الشخص المتوتر العصبي، والذي يتميز بالتسرع و من ثم العودة لإصلاح أخطائه، لكن لازوري جسد دوره بعينين تمارسان التنويم المغناطيسي بدلا من التأثير الكاريزمي الذي لا يحتاج إلى التحديق المستمر والمبالغ فيه، وهو ما فعله قورتولوش بالدرجة نفسها من المبالغة.

وجسدت الممثلة الإسرائيلية ريموند إمسالم دور مريم أخت هارون وموسى بشكل جيد، وقد تأسس العمل على الشخصيات الثلاث باعتبارهم أبطال قصة خروج العبرانيين من مصر.

وبالغ بنيامين روس في تبسيط القصة والمفاهيم التي تحتويها الأجزاء الثلاثة للعمل، فجاء شكله النهائي أقرب للأعمال التي تنتج لتعليم التلاميذ، ذلك أن جمهور شبكة نتفليكس من المراهقين هو الهدف من العمل الذي يسعى لتعليمه والترفيه عنه، وإلى اكتساب تعاطفه.

واكتسب مسلسل “العهد: قصة موسى” الذي يمزج الوثائقي بالدرامي (دوكيودراما) زخما من الجمهور في العالم، إذ تربع خلال يومين من بدء عرضه في قائمة أكثر الأعمال مشاهدة في 55 دولة في العالم، لكن السؤال الأهم بقي يدور في ذهن المشاهدين: ما الجديد؟

رغم أن العمل اتخذ مظهر التحقيق التلفزيوني الاستقصائي، فإنه لم يأت بجديد، سواء على مستوى التفاصيل التي كان يمكن أن يكشفها، أو على مستوى الرؤية، فقد ظلت كما طرحت منذ البداية، فالصراع بين موسى والفرعون لم يكن بين شخصين، بقدر ما كان بين دين موسى ودين فرعون، وبدقة أكثر فقد جاء موسى بالتوحيد في مقابل تعدد الآلهة لدى الفرعون.