في احتفال ثقافي شهده جمع كبير من الشخصيات والمثقفين من مختلف البلدان العربية، عقدت جائزة الدوحة للكتاب العربي يوم الأحد دورتها التأسيسية.

وقد أعلنت الجائزة، في بيان رسمي عبر موقعها الإلكتروني قبل أيام، عن إطلاق الجائزة والاحتفاء “بتكريم نخبة من المتخصصين في العلوم الإنسانية والشرعية، الذين أثروا المكتبة العربية بالمصنفات العلمية الرصينة والأطروحات الفلسفية والتاريخية البحثية القيمة”.

تكوّن برنامج إطلاق الجائزة من ندوة صباحية تحت عنوان “حياة للعلم: مسارات وشهادات”، والتي جاءت في جلستين، ضمت كل واحدة منهما 5 متحدثين، ألقى فيها الأساتذة المكرمون خطابًا حول تجربتهم العريضة مع الكتاب والكتابة.

وقد استُهِلت الندوة الصباحية بكلمة ترحيبية ألقاها المستشار الإعلامي للجائزة عبد الرحمن المري، إذ قدم فيها رؤية الجائزة ومنطلقاتها، كما أفصح عن أهداف الجائزة ومجالاتها ومواعيد انطلاقها.

وذكر المري أن الجائزة تطمح إلى استعادة التقدير الضروري المطلوب تجاه الثقافة العربية وقيمتها، الذي من شأنه أن يعزز لدى أمة الضاد “الإحساس بالأمانة، فيأخذها بصدق ووفاء ومسؤولية نحو التفكير في العربية، والنهوض بها”.

وقال إن الجائزة تأتي في ظل مسارات “كثرت فيها تحديات العلم بين شعوب العالم وحضاراته، ودخلت فيها اللغات -بحسبانها أوعية ثقافية- في تسابق نحو التصدر في إنتاج الأفكار الأصيلة، ونيل قصب السبق في مجالات المعارف المختلفة”.

استفتح العالم اللغوي المصري محمد أبو موسى الجلسة الأولى، التي أدارها الدكتور سيدينا ساداتي، باستعراض جانب من مسيرته مع البلاغة العربية، والتي ابتدأها في مطلع تحصيله العلمي في خمسينيات القرن الماضي.

واستفاض من بعده الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن -في كلمته- بحديث حول البواعث العميقة التي دفعته إلى عالم التصنيف الفلسفي، محددًا ثنائية “الثغر والمرابطة” التي وجهت موقفه تجاه التفكير والتأليف.

وسرد المؤرخ الجزائري ناصر الدين سعيدوني قصة رحلته العلمية التي خاضها بين رحاب الجغرافيا واللغة العربية، وقادته من بعدُ إلى التخصص في علم التاريخ، الذي وسم أغلب إنتاجه.

ومن ثم تحدث الباحث اللبناني جيرار جهامي عن سيرته العلمية المتمحورة حول الفلسفة العربية والمنطق، في حين ألقى المحقق العراقي غانم قدوري الحمد ضوءًا سِيَريًّا على تطور اهتمامه بالدراسات القرآنية والعلوم الشرعية حتى بلوغه درجة الاختصاص.

ومن جانبه، أدار الأكاديمي السوداني الصديق عمر الصديق الجلسة الثانية، وابتدأ الحديث فيها مع المؤرخ القطري مصطفى عقيل الخطيب، متناولًا تحول اهتماماته نحو التاريخ، لا سيما التاريخ في الخليج العربي.

وجاءت كلمة المحقق والمؤرخ المصري أيمن فؤاد سيد التي تحدث فيها عن مدارج ارتقائه في علمي التاريخ والتحقيق، والعلاقة بينهما، مستشهدًا بأولى تجاربه مع الوثائق، التي وصل بها إلى ذروة تحقيقه لكتب تاريخية وأدبية مركزية في تراث الثقافة الإسلامية.

وقدمت المؤرخة الباحثة في التاريخ الشفوي الفلسطيني فيحاء عبد الهادي خطبة بليغة حول دور المرأة الفلسطينية الجوهري في النضال التحرري المستمر منذ الاحتلال.

وألقى الأكاديمي السعودي سعد البازعي أمام الجمع العلمي كلمة استعاد فيها أولى ذكرياته مع الكتاب، والتي تطورت بشكل كبير بعد الدراسة في الولايات المتحدة الأميركية، حيث تعرف على مدارس النقد المختلفة، وتوّج هذه المعرفة برؤية منهجية ناقدة تجاه المنتج الثقافي غير العربي، تمتاز بالانفتاح الواعي الذي يوازن بين مرجعية الانتماء إلى الثقافة العربية، وضرورات القراءة التي تفرضها منجزات الثقافات الأخرى.

واختتم الشيخ الغاني قطب مصطفى سانو كلمات الجلسة الثانية بخطاب فصيح، أودع فيه خلاصة تاريخه في تحصيل العلم الشرعي، الذي بدأه في قريته الصغيرة في جمهورية غينيا، مرورًا بدراسته في المملكة العربية السعودية، حيث تعلم اللغة العربية إلى حد الإتقان، وصولًا إلى جهوده المبذولة في التأليف والإنتاج بالعربية، معبّرًا عن اعتزازه الكبير بانتمائه إلى ثقافة “الضاد” الواسعة.