عندما ترتفع درجة حرارة السيارة فإن الأعطال تبدأ في نظام أو نظامين فيها، حتى يصل الأمر إلى عطب المحرك بأكملة لتتوقف السيارة عن العمل، هذا تماماً ما يحدث للإنسان أيضاً إذا تعرّض للحرارة الشديدة.
الاحتباس الحراري وتأثيره على جسم الإنسان
ووفقاً لمايك ماكجيهين، وهو عالم أوبئة الصحة البيئية في مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها يقول لصحيفة The Guardian البريطانية: “عندما يتعذر على الجسم تبريد نفسه، فإن الدورة الدموية تتأثر على الفور، يصبح القلب والكلى والجسم أكثر سخونة، وفي النهاية تبدأ قدراتنا الإدراكية في التخلي عنا، وفي النهاية يدخلون في غيبوبة ويموتون”.
ما الذي يحدث لكل عضو في الجسم عندما يتعرض للحرارة؟
يستجيب كل عضو في الجسم بشكل مختلف للتعرض الشديد للحرارة، مع أعراض سرعان ما تصبح قاتلة، أو تسبب أضراراً طويلة الأمد قد لا يتعافى منها الجسم تماماً.
تأثير الاحتباس الحراري على القلب
من أجل التعرق والتبريد ينتقل تدفق الدم من الأعضاء المركزية إلى أطراف الجسم، ما يتسبب في انخفاض ضغط الدم في هذه الأعضاء الحيوية.
ويبدأ القلب في النبض بشكل أسرع للتعويض، ولكن إذا لم يجدد الشخص مخزونه من الماء، يمكن أن ينخفض ضغط الدم بشكل خطير ويسبب الإغماء، وهو ما أوضحه الدكتور بيتر فانكامب، باحث ما بعد الدكتوراه في المركز الوطني للبحوث العلمية في باريس.
في أسوأ السيناريوهات يمكن أن يؤول الأمر إلى قصور القلب إذا تُرك دون علاج.
ففي العقد الماضي، توفي 384 شخصاً في الولايات المتحدة أثناء العمل في درجات حرارة شديدة، بما في ذلك عمال المزارع وجامعو النفايات، فيما وجد باحثو جامعة إدنبرة الاسكتلندية أن التعرض للحرارة الشديدة يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب لدى رجال الإطفاء.
تأثير الاحتباس الحراري على الدماغ
يعتبر الوطاء أو ما يُعرف بتحت المهاد هو منظم الحرارة الداخلي لدينا وهو يقع في الدماغ، وينظم درجة حرارة الجسم باستخدام المعلومات التي تنتقل إليه من مستشعرات درجة الحرارة في الجلد والعضلات والأعضاء الأخرى.
عندما يكتشف درجات حرارة عالية يبدأ الدماغ سلسلة من الاستجابات لمساعدتنا على التبريد، مثل التعرق وزيادة التنفس والاندفاع للبحث عن الماء والبيئات الأكثر برودة.
ولكن عندما ترتفع درجة حرارة هذا النظام، تبدأ هذه الاستجابات بالفشل، ويمكن أن يحدث سوء اتصال في الدماغ، ما يسهم في حدوث ارتباك ودوار وتغيير في السلوك.
تعمل الخلية الطبيعية بشكل أفضل عند حوالي 37 درجة مئوية وعندما ترتفع درجة الحرارة ولو بدرجات قليلة يبدأ الاتصال بين الخلايا العصبية في التعطل، وهذه هي اللحظة التي يبدأ فيها التواصل مع الجسد في التدهور.
في حوالي 20% من الأشخاص الذين نجوا من ضربة الشمس، قد لا يتعافى الدماغ تماماً أبداً، ما يترك الشخص يعاني من تغيّرات في الشخصية أو البلاهة أو ضعف في التنسيق، وفقاً لبحث أجرته كلية الطب بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، في فبراير/شباط 2020.
تأثير الاحتباس الحراري على الكلى
تنظم الكلى تركيز الماء والملح في الدم، لذا فإن هذه الأعضاء هي الواجهة المباشرة بيننا وبين أزمة المناخ، لأنه عندما تبدأ درجة الحرارة في الارتفاع نفقد الكثير من الماء والملح من خلال العرق.
ولطالما عرف الأطباء أن خطر إصابة الشخص بحصوات الكلى يرتفع عندما ترتفع درجات الحرارة المحيطة، هذا لأنه عندما نتعرق ننتج كمية أقل من البول.
وعندما لا يتبول الناس كثيراً على أساس منتظم، فإن الفضلات التي من المفترض أن تخرج من خلال البول تستقر وتتجمع في الكلى، وفقاً لما ذكره موقع Vox الأمريكي.
في حين حذرت The Guardian في تقرير آخر لها أنه مع ارتفاع درجات الحرارة العالمية خلال العقود المقبلة سيصاب الناس بأمراض الكلى المزمنة، المرتبطة بالإجهاد الحراري، وقد تتحول إلى وباء صحي كبير لملايين العمال حول العالم.
وأضاف التقرير أن تلك الأوبئة قد بدأت بالظهور بالفعل في مناطق ريفية حارة في السلفادور ونيكاراغوا، وقد بدأ الناس هناك يموتون بالفشل الكلوي.
تأثير الاحتباس الحراري على الكبد
في دراسة أجرتها مجلة الجمعية الفسيولوجية الأمريكية، في يوليو/تموز 2020، حول تأثير الحرارة على عمل الكبد، وجدت أنّ الإجهاد الحراري يتسبب في تعطيل مجموعة متنوعة من الوظائف الخلوية، ويمكن أن يكون ساماً للخلايا بشكل مباشر، ويمكن ملاحظة التلف الذي يصيب خلايا الكبد من خلال زيادة مستويات إنزيمات الكبد في الدم، وتبدأ بالموت في درجات حرارة تتجاوز 41 درجة مئوية.
تأثير الاحتباس الحراري على الأمعاء
مع تدفق الدم بعيداً عن الأعضاء المركزية للتعامل مع الحرارة، يمكن للأوكسجين المحدود أن يعيق الأداء الطبيعي، وهذا يمكنه التسبب في التهاب في الجهاز الهضمي، وفي الحالات القصوى، يمكن أن يسبب الغثيان والقيء.
في عام 2013، وجد باحثون في مستشفى جامعة زيوريخ زيادة خطر ظهور أمراض الأمعاء الالتهابية أثناء موجات الحر، وهو ما وصفوه بأنه أول دراسة تربط أزمة المناخ بأمراض الأمعاء.
كما أن الحرارة الشديدة يمكن أن تسبب أيضاً “تسرب الأمعاء”، وهو ما يحدث عندما تتسرب السموم والبكتيريا المسببة للأمراض إلى الدم، ما يزيد من احتمالية الإصابة بالعدوى.
في حين يشير المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي CNRS، إلى أن الاحترار العالمي يغير من كيفية عمل النظم البيئية، بما فيها البكتيريا الموجودة في الجهاز الهضمي، التي تشكل ميكروبيوتا الأمعاء، وبالتالي فإن الاختلالات الميكروبيولوجية التي يسببها تغير المناخ يمكن أن تكون ضارة بشكل كبير للأمعاء.
أخيراً فإنه ما بين عامي 1998 و2017 فقد توفي أكثر من 166 ألف شخص بسبب ارتفاع الحرارة، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.
في حين تشهد البلدان في جميع أنحاء العالم ارتفاع درجات الحرارة القياسية عاماً بعد عام، ومن المرجح أن تؤثر بشكل غير متناسب على الفقراء والمرضى -الذين يعانون من أمراض مزمنة أو أمراض القلب والكلى على وجه الخصوص- وعلى كبار السن.