في الوقت الذي تجتهد فيه الجمعيات الخيرية والمؤسسات الدولية لجمع التبرعات والمساعدات التي تسد الاحتياجات الأساسية في المناطق المنكوبة والمتضررة، يجلس العلماء في الضفة الأخرى من العالم داخل مكاتبهم لساعات طويلة لإيجاد حلول للمشكلات الاقتصادية والبيئية الناتجة عن التبذير والإسراف، ولا سيما فيما يخص الموارد الغذائية.

ففي ظل هذا التناقض، يذكر البنك الدولي أن نقص التغذية من أكثر التحديات خطورة على الصحة العامة، إذ يعاني ثلث أطفال الدول النامية من نقص الوزن ويعود سبب وفاتهم في سن مبكرة إلى سوء التغذية، في المقابل تفيد الأرقام والإحصائيات السنوية بأن التبذير الغذائي، الذي بلغت تكلفته نحو تريليون دولار (ألف مليار دولار)، يعد من أكثر مشكلات العالم إهمالًا وتهديدًا للاستقرار الاقتصادي والتوازن البيئي، كما أنه يكفي لإطعام الفقراء الذين يقدر عددهم بـ ـ842 مليون شخص في العالم.

الهدر الغذائي في العالم العربي كجزء من ثقافة الضيافة

أشارت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) التابعة للأمم المتحدة إلى أن نحو 1.3 مليار طن من الإنتاج العالمي للموارد الغذائية يهدر دون أن يصل حتى إلى طبق المستهلك وغالبًا ما يحدث ذلك لأسباب متعددة منها التحولات الجذرية التي تشهدها المجتمعات الحالية وانتقالها إلى مستويات معيشة أكثر رفاهية من ذي قبل كانتشار ثقافة المطاعم ومنافسة الشركات التجارية في قطاع الأطعمة لجذب أكبر عدد  ممكن من المستهلكين وبالتالي زيادة أرباحهم بصرف النظر عن العواقب البيئية والاقتصادية.

تقدر قيمة الموارد الغذائية المهدرة بأكثر من 60 مليار دولار أمريكي سنويًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بالرغم من أن هذه المناطق معروفة بطاقاتها المحدودة لإنتاج الأغذية

إضافة إلى أخطاء في التخزين والنقل وإهمال الإرشادات اللازمة للحفاظ على الطعام من الفساد والتلف وتعريضها للحرارة وضوء الشمس. فبحسب التقارير الرسمية، يهدر 68% من الأغذية خلال هذه المرحلة، و34% خلال المناسبات الدينية وحفلات الزواج واللقاءات العائلية.

أما فيما يخص التكلفة الاقتصادية، تقدر قيمة الموارد الغذائية المهدرة بأكثر من 60 مليار دولار أمريكي سنويًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بالرغم من أن هذه المناطق معروفة بطاقاتها المحدودة لإنتاج الأغذية، فعلى سبيل المثال تعد دول هذه المنطقة أكثر مناطق العالم شحًا في المياه، إلا أنها تضيع نحو 30% من مواردها الطبيعية. يضاف إلى ذلك، بأنها مستورد أساسي للأغذية ومع ذلك فهي تهدر 20% من الحبوب المستوردة و50% من الفاكهة والخضار و16% من اللحوم و27% من الأسماك.

في تونس مثلًا، تقام العديد من الندوات والمبادرات التي تهدف إلى توعية المجتمع بحجم هذه المشكلة ودور مربيات المنازل وأصحاب المطاعم في التقليص من مظاهر التبذير الغذائي الذي يتسبب في خسارة 570 مليون دينار سنويًا.

وفي هذا الخصوص، أصدرت المنظمة قائمة عن أكثر دول العالم إهدارًا للطعام، وكان من ضمن المراتب الأولى العديد من الدول العربية، حيث احتلت كل من مصر والمغرب المرتبة الأولى وتبعتهما تونس ثم الإمارات والأردن ولبنان والسعودية والسودان. ورجح خبراء الأمن الغذائي انتشار هذه الظاهرة في الدول العربية إلى العادات والتقاليد الاجتماعية والثقافية المبنية على فكرة “يزيد ولا ينقص”، والتي تحتم على المضيف إقامة ولائم باذخة دون حساب العواقب الوخيمة، تجنبًا للتعليقات المسيئة والمحرجة.

لكن في المقابل، تحاول العديد من الدول العربية التي تتبنى نفس ثقافة الضيافة الحد من هذه الظاهرة دون الوقوع في الإحراج الاجتماعي ودون تجاهل المسؤولية البيئية، ففي تونس مثلًا، تقام العديد من الندوات والمبادرات التي تهدف إلى توعية المجتمع بحجم هذه المشكلة ودور مربيات المنازل وأصحاب المطاعم في التقليص من مظاهر التبذير الغذائي الذي يتسبب في خسارة 570 مليون دينار سنويًا.

وأخيرًا، فيما يتعلق بالجانب البيئي، تفيد الدراسات أن إلقاء فضلات الطعام في حاويات القمامة وتحللها بداخلها دون وصول الأوكسجين إليها يسبب في إنتاج غاز الميثان الذي يتسرب فيما بعد في الغلاف الجوي ويسبب ضررًا يفوق غاز الاحتباس الحراري 23 مرة، وذلك عدا عن إهدارها لمساحات واسعة من الأراضي الزراعية وكميات كبيرة من المياه، دون الاستفادة بالفعل من أي نتائج ملموسة.

مبادرات وحلول للحد من مشكلة التبذير الغذائي

نتيجة للآثار السلبية التي ذكرناها سابقًا، ذكرت اللجنة العالمية للاقتصاد والمناخ إن القضاء على هذه الظاهرة سوف يساهم في توفير أكثر من 300 مليار دولار أمريكي سنويًا بحلول عام 2030، ولكن يصعب الوصول إلى هذا الهدف مع التوقعات التي تشير إلى احتمالية زيادة الهدر الغذائي العالمي إلى 600 مليار دولار خلال السنوات المقبلة، وذلك بالتزامن مع نمو واتساع الطبقة المتوسطة في الدول النامية.

وبالرغم من هذه الاحتمالات، تسعى العديد من البلدان للقضاء على هذه المشكلة من خلال إعادة بقايا الغذاء وتصنيعه علفًا للحيوانات واستخدامه في الأسمدة أيضًا. كما أطلقت العديد من الجهات تطبيقات رقمية تهدف إلى ربط المتاجر والمطاعم بالأشخاص لمشاركتهم الأطعمة الفائضة بدلًا من رميها بأسعار معقولة، أو برامج أخرى ترسل تنبهات للمستخدمين عن الأطعمة التي اقترب موعد انتهاء صلاحيتها في المنزل.

إلى جانب هذه المحاولات، نشرت العديد من الجمعيات المختصة في هذا المجال تعليمات ونصائح للمستهلكين لترويض عاداتهم الشرائية وتقديم النصائح اللازمة، ومن أبرزها تجنب الشراء من الأسواق الكبيرة وانتقاء المنتجات التي تحتاج لتناولها في اليوم نفسه أو في اليوم التالي وتناول كميات محددة من الطعام وتقاسم الأطباق الكبيرة مع الآخرين، وغيرها العديد من الإرشادات البسيطة التي يمكن أن توفر علينا الكثير من المصاريف وتحافظ على العالم من حولنا.