كشف تقرير صحفي، الجمعة، إنّ إيران شكلت فصائل جديدة في العراق تضم عدداً قليلاً من المقاتلين، في ظل شكوك حول فصائل كبيرة قد تكون على صلة بتسريبات أدت إلى اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني مطلع العام الماضي.
ويشير التقرير الذي نشرته رويترز وتابعته UTV، إلى أنّ “الجماعات الجديدة هي المسؤولة عن الهجمات الأخيرة التي استخدمت فيها طائرات دون طيار.
ويستند التقرير إلى شهادات مسؤولين عراقيين وقادة في الفصائل ومصادر اخرى، مؤكداً أنّ “طهران خففت الاجتماعات والاتصالات مع الفصائل الكبيرة وتوقفت عن دعوتهم إلى إيران”.
وفي ما يلي نص التقرير:
اختارت إيران مئات المقاتلين الموثوق بهم من بين كوادر أقوى حلفائها في الميليشيات في العراق، وشكلت فصائل أصغر ونخبوية ومخلصة بشدة في تحول عن الاعتماد على مجموعات كبيرة مارست معها نفوذا في السابق.
وقد تم تدريب الجماعات السرية الجديدة العام الماضي على حرب الطائرات بدون طيار والمراقبة والدعاية عبر الإنترنت والرد مباشرة على ضباط في فيلق القدس الإيراني، ذراع الحرس الثوري الإيراني الذي يسيطر على الميليشيا المتحالفة معه في الخارج.
وهم مسؤولون عن سلسلة من الهجمات المتزايدة التعقيد ضد الولايات المتحدة وحلفائها، وفقا لروايات مسؤولين أمنيين عراقيين وقادة ميليشيات ومصادر دبلوماسية وعسكرية غربية.
ويعكس هذا التكتيك رد إيران على النكسات – وقبل كل شيء مقتل العقل المدبر العسكري وقائد فيلق القدس قاسم سليماني، الذي كان يسيطر بشكل وثيق على الميليشيا الشيعية في العراق حتى قتل العام الماضي في غارة صاروخية أمريكية بطائرة بدون طيار.
ولم يكن خليفته إسماعيل قاآني على دراية بالسياسة الداخلية في العراق ولم يمارس قط نفس النفوذ على الميليشيا مثل سليماني.
كما اضطرت الميليشيا العراقية الكبيرة الموالية لإيران إلى التراجع بعد أن أدى رد فعل شعبي عنيف إلى مظاهرات حاشدة ضخمة ضد النفوذ الإيراني في أواخر عام 2019. وقد تعرضت لانقسامات هنا بعد وفاة سليماني واعتبرتها إيران أكثر صعوبة في السيطرة عليها.
ولكن التحول إلى الاعتماد على مجموعات أصغر يجلب أيضا مزايا تكتيكية. فهي أقل عرضة للاختراق ويمكن أن تكون أكثر فعالية في نشر أحدث التقنيات التي طورتها إيران لضرب خصومها، مثل الطائرات المسلحة بدون طيار.
وقال مسؤول أمني عراقي إن “الفصائل الجديدة مرتبطة مباشرة بالحرس الثوري الايراني. إنهم يأخذون أوامرهم منهم وليس من أي جهة عراقية”.
وأكد هذه الرواية مسؤول أمني عراقي ثان وثلاثة قادة لمجموعات ميليشيا أكبر ونشطة علناً ومؤيدة لإيران ومسؤول حكومي عراقي ودبلوماسي غربي ومصدر عسكري غربي.
وقال أحد قادة الميليشيات الموالية لإيران “يبدو أن الإيرانيين شكلوا مجموعات جديدة من أفراد اختيروا بعناية كبيرة لتنفيذ هجمات والحفاظ على السرية التامة”. “لا نعرف من هم”
وقال مسؤولون أمنيون عراقيون إن ما لا يقل عن 250 مقاتلا سافروا إلى لبنان على مدى عدة أشهر في عام 2020، حيث قام مستشارون من الحرس الثوري الإيراني وجماعة «حزب الله» اللبنانية المسلحة بتدريبهم على قيادة الطائرات بدون طيار، ونيران الصواريخ، وزرع القنابل، والدعاية للهجمات على وسائل التواصل الاجتماعي.
وقال أحد مسؤولي الأمن العراقيين إن “الجماعات الجديدة تعمل سرا وقادتها، غير المعروفين، مسؤولون مباشرة أمام ضباط الحرس الثوري الإيراني”.
وقال مسؤولون أمنيون عراقيون ومصادر غربية إن الجماعات الجديدة تقف وراء هجمات، بما في ذلك ضد القوات التي تقودها الولايات المتحدة في قاعدة عين الأسد الجوية العراقية هذا الشهر، ومطار أربيل الدولي في أبريل/نيسان، وضد السعودية في يناير/كانون الثاني، وكلها تستخدم طائرات بدون طيار محملة بالمتفجرات.
ولم تسفر تلك الهجمات عن وقوع إصابات، ولكنها أثارت قلق المسؤولين العسكريين الغربيين بسبب تطورها.
ولم يرد المسؤولون الإيرانيون وممثلو الحكومة العراقية والميليشيا الموالية لإيران والجيش الأمريكي على طلبات التعليق على المحضر. وقالت وزارة الخارجية الأميركية إنها غير قادرة على التعليق.
معركة مع واشنطن
فإيران هي القوة الشيعية المسلمة البارزة في الشرق الأوسط، ونفوذها على العراق، أكبر دولة ذات أغلبية شيعية في العالم العربي، هي إحدى الطرق الرئيسية التي تنشر بها نفوذها في جميع أنحاء المنطقة.
وهي تتسابق على النفوذ في العراق مع الولايات المتحدة منذ أن أطاحت القوات الأمريكية بالدكتاتور المسلم السني صدام حسين في عام 2003، مما مكن الشيعة في العراق.
بعد اجتياح مقاتلي تنظيم «الدولة الإسلامية» ثلث الأراضي العراقية في عام 2014، وجدت واشنطن وطهران نفسيهما في نفس الجانب، وكلاهما ساعد الحكومة التي يقودها الشيعة على هزيمة المسلحين المسلمين السنة على مدى السنوات الثلاث المقبلة.
وأعادت الولايات المتحدة، التي انسحبت من العراق في عام 2011، آلاف الجنود.
وفي الوقت نفسه، دعمت إيران جماعات ميليشيا كبيرة مثل كتائب «حزب الله»، وكتائب سيد الشهداء، و«عصائب أهل الحق»، التي تمكن كل منها من نشر آلاف المقاتلين المسلحين ومنحها وضعا شبه رسمي للمساعدة في محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية».
ولكن بعد وفاة سليماني، ومع تحول المتظاهرين ضد الجماعات المرتبطة علنا بإيران، أصبح المسؤولون في طهران يشكون في بعض الميليشيات التي روجوا لها وأصبحوا أقل دعما، وفقا لقادة الميليشيات.
وقال أحدهم “إنهم (إيران) يعتقدون أن تسريبات من إحدى المجموعات ساعدت فى التسبب فى وفاة سليماني، ورأوا انقسامات حول المصالح الشخصية والسلطة فيما بينهم”.
وقال آخر “إن الاجتماعات والاتصالات بيننا وبين الإيرانيين قد انخفضت. لم يعد لدينا اجتماعات منتظمة وتوقفوا عن دعوتنا إلى إيران”.
وقال مسؤولون أمنيون عراقيون ومسؤول حكومي وقادة الميليشيات الثلاثة إن قوة القدس بدأت في فصل النشطاء الموثوق بهم عن الفصائل الرئيسية في غضون أشهر بعد وفاة سليماني.
ويعكس التحول من دعم الحركات الجماهيرية إلى الاعتماد على كوادر أصغر حجما وأكثر إحكاما استراتيجية اتبعتها إيران من قبل: ففي ذروة الاحتلال الأمريكي للعراق في الفترة 2005-2007، أنشأت طهران خلايا أثبتت فعاليتها بشكل خاص في نشر قنابل متطورة لاختراق الدروع الأمريكية.
إعادة فتح الدبلوماسية
ومنذ تولي الرئيس جو بايدن منصبه، أعادت طهران فتح القنوات الدبلوماسية مع كل من واشنطن والرياض. وأحد مصادر نفوذها الرئيسية في تلك المحادثات هو قدرتها على ضرب خصومها.
إن الطائرات بدون طيار التي تستخدمها وحلفاؤها الآن لشن هجمات أصعب بكثير في الدفاع عنها واكتشافها من إطلاق الصواريخ العادية، مما يزيد من الخطر الذي يشكله على القوات الأمريكية المتبقية في العراق البالغ عددها 2500 جندي.
قال الجنرال كينيث ماكنزي، رئيس القيادة المركزية الأمريكية، في نيسان/أبريل بعد هجوم أربيل إن إيران حققت “إنجازات كبيرة” من استثمارها في الطائرات بدون طيار.
وفي العام الماضي، بدأت جماعات لم تكن معروفة من قبل في إصدار ادعاءات بالمسؤولية في أعقاب هجمات بالصواريخ والقنابل على جانب الطريق. وكثيرا ما رفض المسؤولون الغربيون والتقارير الأكاديمية هذه الجماعات الجديدة باعتبارها واجهات لكتائب «حزب الله» أو غيرها من الميليشيات المألوفة. الا ان المصادر العراقية قالت انها منفصلة حقا وتعمل بشكل مستقل.
وقال المسؤول الحكومي العراقي “في عهد قاآني (خليفة سليماني)، يحاولون تشكيل مجموعات تضم بضع مئات من الرجال من هنا وهناك، يقصد بها أن تكون موالية فقط لقوة القدس، جيل جديد”.