ساعد التطور التكنولوجي والشعبية التي حظيت بها وسائل التواصل الاجتماعي في ظهور العديد من الوظائف غير المعروفة لدى الأجيال السابقة، مثل مختصي الشبكات الاجتماعية والعاملين في صناعة المحتوى، إلى جانب ما يعرف بـ “المؤثرين”. ولم يعد غريبا أن نرى أطفالا يبلغون من العمر 14 عاما يتابعهم الملايين ولديهم حسابات موثقة تدر عليهم إيرادات بمئات الآلاف من الدولارات.

وتعرّف شركة “مورنينغ كونسلت” للأبحاث، “المؤثر” بأنه شخص يقدم محتوى رقميا ذا قيمة بالنسبة لعدد من الأشخاص، يؤثر في أفكارهم وقناعاتهم أو ميولهم الشرائية، على ألا يقل عدد متابعيه عن 10 آلاف.

وبحسب دراسة أجرتها الشركة المتخصصة في أبحاث المسح عبر الإنترنت هذا العام، فإن 57% من الجيل “زد” -مواليد بين عامي 1997 و2012- يطمحون إلى العمل كمؤثرين على شبكات التواصل الاجتماعي، وأن 53% منهم مستعدون لترك وظائفهم والعمل في صناعة المحتوى الإلكتروني حال ضمن لهم دخلا يوفر احتياجاتهم، ويحول وجودهم على الإنترنت إلى حياة مهنية ناجحة.

الاستطلاع شمل أكثر من 2200 مستخدم للشبكات الاجتماعية تتراوح أعمارهم بين 13 و26 عاما. وبسؤالهم عن طبيعة المحتوى الذي يرغبون في تقديمه، أجابوا على النحو التالي:

  • 22%: سيقدمون تعليقا على الألعاب.
  • 13%: سيقدمون محتوى غذائياً.
  • 10%: سيتحدثون عن الموضة والجمال والعناية بالبشرة.
  • 8%: سيركزون في محتواهم على الموسيقى.
  • 20%: لم يحددوا بعد طبيعة المحتوى الذين يرغبون في تقديمه.

اللافت أن القضايا الاجتماعية والسياسية لم تلق اهتماما بين المشاركين.

خبيرة العلامات التجارية في “مورنينغ كونسلت” إلين بريغز، قالت إن جيل “زد” أحدث تغييرات جذرية في آليات العمل، إذ تبدلت لديه الأحلام التقليدية والرغبة في دراسة الطب والهندسة والمحاماة وغيرها من المهن المشابهة، ليتحول الطموح إلى تحقيق الشهرة عبر الإنترنت.

وأشارت بريغز إلى أن 63% ممن يتابعون المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي قالوا إنهم يسعون لأن يصبحوا مؤثرين، موضحة أن رغبة هذا الجيل في العمل في مجال التأثير لم تتغير منذ 4 سنوات، إذ أظهر استطلاع مماثل في العام 2019 النتائج نفسها تقريبا، وأكدت أن الربح السريع والتحرر من التزامات العمل التقليدية عززا حب الجيل لهذا المجال.

يقدّر عدد المؤثرين والناشرين الرقميين حول العالم بأكثر من 200 مليون شخص. ومع تنامي سوق صناعة المحتوى، يسعى العديد من الدول لتقنين هذه المهنة، ومنها ما قامت به جامعة ساوث إيست للتكنولوجيا في أيرلندا، من خلال إتاحة تخصص جامعي جديد يمنح خريجيه بكالوريوس الآداب في إنشاء المحتوى ووسائل التواصل الاجتماعي. ومن المقرر أن تستقبل الجامعة الدفعة الأولى من الطلاب في سبتمبر/أيلول 2024.

إليانو أوليري، المحاضرة في الإعلام والاتصال بالجامعة، قالت إن الدراسة في هذا القسم تستمر مدة 4 سنوات، يدرس فيها الطالب العلاقات العامة والتصوير الفوتوغرافي وكيفية إنشاء مقاطع فيديو وتحريرها بشكل احترافي، مضيفة أن خريجي هذا القسم سيكونون مؤهلين للعمل لحسابهم الخاص أو لحساب شركات أو مؤسسات، وتحويل هوايتهم إلى مسمى وظيفي معروف.

لماذا يتجه جيل “زد” إلى مهنة “التأثير”؟

  • الشهرة: يحقق مؤثرو الإنترنت شهرة كبيرة، ربما يرجع ذلك إلى الألفة التي تنشأ بين المؤثر ومتابعيه.
  • الربح السريع: أصبحت المهنة وسيلة للثراء السريع في العصر الرقمي، فوفق موقع “إنفلونسر ماركتينغ”، بلغت قيمة سوق صناعة المحتوى أكثر من 21 مليار دولار هذا العام، بعد أن كانت 16.4 مليار دولار في العام 2022، ويتوقع المحللون الاقتصاديون وصوله إلى 480 مليار دولار بحلول العام 2027. وبحسب الأرقام فإن الكثير من المؤثرين يحققون مكاسب مالية تزيد على 100 ألف دولار سنويا.
  • مرونة ساعات العمل: توفر صناعة المحتوى ساعات عمل مرنة، بعيدا عن الحياة المهنية التقليدية والجلوس على مكاتب العمل لساعات متتالية.
  • جاذبية المؤثرين: أصبح المؤثرون بما حققوه من شهرة سريعة نموذجا لغيرهم، وتقول تيتانيا جوردان، المؤلفة المشاركة لكتاب “الأبوة والأمومة في عصر التكنولوجيا” لموقع “بيرنتس”، إن الكثيرين من جيل “زد” يرغبون في تقليد ومحاكاة المؤثرين الذين توصي بهم خوارزميات مواقع التواصل وتفرضها عليهم أحيانا.

وتضيف جوردان أن الأمر لا يتطلب أكثر من بضع نقرات لرؤية قائمة بأفضل الشخصيات المؤثرة في هذا السن، ومتابعة شعبيتهم المتزايدة بشكل يومي، وهذا ما يعزز فرص محاكاتهم.

  • القوة التسويقية للمؤثرين: كشف الاستطلاع عن القوة التسويقية التي يتمتع بها المؤثرون، إذ عبر 61% عن ثقتهم في المنتجات التي يروجون لها.
  • الأولوية للصحة العقلية: قد يتعارض هذا الطموح مع ما كشفت عنه العديد من الدراسات العلمية من مخاطر وسائل التواصل الاجتماعي على الصحة العقلية، ولهذا ينصح دكتور أندرو موناستيريو، المتخصص في الصحة النفسية بمركز إيسلا فيستا في كاليفورنيا، بضرورة إعطاء الأولوية للصحة العقلية ويقول “إن الضغط الذي يتعرض له المؤثر من أجل الحفاظ على الصورة العامة والتعامل مع النقد وتلبية توقعات الجمهور، يمكن أن يؤثر سلبا على رفاهيته وصحته العقلية، تماما مثل التحديات النفسية التي يواجهها الفنانون وتفرضها الأضواء”.

ويوضح أندرو، أنه رغم الاستقلال المادي الذي يحققه العمل في مجال التأثير، غير أنه قد يسبب المزيد من الأعباء الأخرى، لا سيما إذا تورط المؤثر في صفقات مع علامات تجارية لها “أجنداتها” الخاصة والمتعارضة مع قناعاته ومبادئه.