وسط قصفٍ مكثّفٍ غير مسبوقٍ لقطاع غزة، والمستمر منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، والحصار المستمر منذ أكثر من 16 عاماً، بات قطاع غزة الذي يعد أكبر سجنٍ مفتوح في العالم مهدداً بكارثة إنسانية فظيعة، بسبب الجرائم غير الإنسانية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي، والتي كان آخرها محاولات تهجير الفلسطينيين من القطاع.
وأمام هذه التطورات الخطيرة خرج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليعلن رفضه لحصار غزة، مشبّهاً إياه بحصار لينينغراد الذي قامت به ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية، الذي يعد أطول وأشرس حصار على مدينة في تلك الحرب.
ما هو حصار لينينغراد الذي شبّهه بوتين بحصار غزة؟
وفقاً لـ britannica، بدأ حصار لينينغراد الذي يعدّ الحصار الأكثر شهرة في الحرب العالمية الثانية بعد أكثر من شهرين من إطلاق الزعيم النازي أدولف هتلر لعملية بربروسا، التي أراد من خلالها غزو الاتحاد السوفييتي.
في 22 يونيو/حزيران 1941، بدأ نحو 3 ملايين جندي ألماني هجوماً ثلاثي المحاور عبر الحدود السوفييتية، إذ هاجمت جيوش الألمان المرابطة على الوسط والجنوب كلاً من موسكو وأوكرانيا، بينما سارعت مجموعة من جيش الفيرماخت الشمالية عبر ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا بالتحرك نحو مدينة لينينغراد، وهي مدينة يزيد عدد سكانها عن 3 ملايين نسمة، وتقع على نهر نيفا بالقرب من بحر البلطيق.
كان هتلر يعتبر السيطرة على لينينغراد هدفاً رئيسياً في خطة غزوه للاتحاد السوفييتي، إذ كانت بمثابة القاعدة الرئيسية لأسطول البلطيق السوفييتي، كما أن مصانعها التي يزيد عددها عن 600 مصنع جعلتها في المرتبة الثانية بعد موسكو في الإنتاج الصناعي.
في 8 سبتمبر/أيلول 1941، أغلقت القوات الألمانية محيط مدينة لينينغراد السوفييتية، وبدأت حصاراً مطبقاً على مدينة لينينغراد، استمر هذا الحصار في مجمله حوالي 900 يوم وأودى بحياة 800 ألف مدني، إذ أدى الحصار الألماني إلى مقتل 650 ألف شخص من لينينغراد في عام 1942 وحده، معظمهم بسبب الجوع والمرض والقصف من المدفعية الألمانية البعيدة.
كيف صمدت لينينغراد؟
لم تكن لينينغراد في الحقيقة مستعدةً للمخط الألماني، مع ذلك فقد قاوم سكانها برفقة الجيش الأحمر السوفييتي إلى النهاية. في البداية تمت تعبئة جميع سكان لينينغراد الأصحاء من أجل بناء تحصينات مضادة للدبابات على طول محيط المدينة، وذلك من أجل دعم 200 ألف مدافع من الجيش الأحمر في المدينة، وذلك حسب موقع history.
ورغم ذلك، في نوفمبر/تشرين الثاني 1941، كانت المدينة بأكملها تحت الحصار الألماني، الذي قطع جميع خطوط السكك الحديدية الحيوية وخطوط الإمداد الأخرى إلى المناطق الداخلية السوفييتية، وزاد الشتاء البارد من مآسي المدينة وأهلها.
في أوائل عام 1942، قام السوفييت بإجلاء حوالي 500 ألف مدني عبر “طريق الحياة” على بحيرة لادوجا، ما أدى إلى تقليص عدد السكان الذين دمرتهم المجاعة، وهو ما ساعد على التحكم بهم.
وفي أعقاب ذوبان الجليد في فصل الربيع، أجرى الناجون من لينينغراد حملة تنظيف شاملة لإزالة الأنقاض التي دمرها القصف، ودفنوا الموتى على جانبي شوارعهم. كما تم زرع الحدائق في جميع أنحاء المدينة في الساحات والحدائق العامة، وظل الغذاء شحيحاً.
وفي مشهدٍ لإبراز صمود المدينة وسكانها، نظّم سكان لينينغراد في أغسطس/آب 1942، عرضاً للسيمفونية السابعة للملحن الروسي ديمتري شوستاكوفيتش، والتي تمت كتابتها خلال الأيام الأولى للحصار. وفي تحدٍّ للألمان تم بث الحفل عبر مكبرات الصوت الموجهة نحو خطوط العدو.
كما نجح الجيش الأحمر السوفييتي في إيصال إمدادات الغذاء والوقود المتفرقة إلى المدينة عن طريق الصنادل في الصيف، وعن طريق الشاحنات والزلاجات المحمولة على الجليد في الشتاء عبر بحيرة لادوجا، أبقت هذه الإمدادات مصانع الأسلحة في المدينة تعمل، كما أعطت سكانها البالغ عددهم مليوني نسمة جرعة حياة.
في يناير/كانون الثاني 1943، نجح الجيش الأحمر في استرجاع جسر بري صغير من النازيين، وقام المهندسون السوفييت ببناء خط سكة حديد خاص على الممر، وبحلول نهاية العام تم نقل ما يقرب من 5 ملايين طن من المواد الغذائية والإمدادات إلى لينينغراد.
رغم كثافة القصف الألماني، عادت المدينة التي كانت تعاني من الجوع إلى الحياة. وسرعان ما بدأ عمال المصانع- الذين كان النساء يشكلن حينها ما يقرب من 80% منهم- ينتجون كميات هائلة من الآليات العسكرية والذخيرة.
جاء الاختراق الذي طال انتظاره في أوائل عام 1944، وذلك عندما حشد الجيش الأحمر حوالي 1.25 مليون رجل و1600 دبابة في هجوم اجتاح الخطوط الألمانية.
في 27 يناير/كانون الثاني 1944، وبعد ما يقرب من 900 يوم من الحصار، تم تحرير لينينغراد والإعلان عن النصر بإطلاق 24 طلقة من مدافع المدينة.