لقرون طويلة، رفض السكان الأصليون المنعزلون في جزيرة نورث سينتينل -أو سينتينل الشمالية- معظم محاولات العالم الخارجي التسلل إلى موطنهم الاستوائي الصغير في خليج البنغال.
ولا يملك علماء الأنثروبولوجيا أي فكرة حتى الآن عن عدد السكان الذين يعيشون على هذه الجزيرة المنعزلة، ومع ذلك تتراوح التقديرات بين 50 و500 نسمة تقريبا وفقا لتوقعات المختصين.
وتُعد الجزيرة جزءا من سلسلة جزر أكبر بكثير تسمى جزر “أندامان ونيكوبار” وهي حاليا منطقة تابعة للاتحاد الهندي.
وهناك 184 جزيرة في هذا الأرخبيل الاستوائي تقع في خليج البنغال على بعد 500 كيلومتر قبالة ساحل ميانمار (بورما) و1200 كيلومتر من الهند.
ووفق موقع “هاو ستف ووركس”، فإن حوالي 30 جزيرة فقط في السلسلة مأهولة بالسكان وهي موطن لعدد من السكان الأصليين البدائيين.
وتم اكتشاف جزر أندامان ونيكوبار لأول مرة في القرن الـ18 بواسطة السفن التجارية الهولندية والنمساوية والبريطانية خلال بحثها عن أفضل الطرق التجارية المؤدية إلى شبه القارة الآسيوية الغنية بالتوابل.
وعام 1771 تحديدا، كانت سفينة تابعة لشركة الهند الشرقية البريطانية أول من رصد علامات الحياة في جزيرة نورث سينتينل، حيث لاحظوا نيرانا للطهي في عتمة الليل تنبعث من الغابات.
وقد وصل أول مستوطنين أوروبيين دائمين إلى جزر أندامان ونيكوبار في خمسينيات القرن الـ19 عندما بنى البريطانيون مستعمرة عقابية في جزيرة غراند أندامان، على بُعد حوالي 50 كيلومترا من جزيرة نورث سينتينل، لإيواء سجناء الهند التي كانت بريطانيا تحكمها آنذاك.
ثم بحلول العام 1896، حاول أحد السجناء الهروب على طوف (وسيلة انتقال بدائية عبر المياه) وجرفته الأمواج إلى الشاطئ، وقد وجده فريق بحث بعد أيام قليلة مقتولا بعدة سهام مخترقة جسده.
وقد أكدت وفاة السجين التقارير السابقة التي وردت من سفينة تجارية غارقة حول مسؤولية عدد من “الرجال العراة الصغار الذين كانوا يطلقون السهام” من جزيرة نورث سينتينل. ومنذ هذا الحدث ظلت الجزيرة وسكانها معزولين لمدة نصف قرن آخر.
محاولات استكشاف سكان الجزيرة المعزولة
لا تحتوي جزيرة نورث سينتينل على موانئ طبيعية، وتحيط بها شعاب مرجانية حادة، وهي مغطاة بالكامل تقريبا بغابة كثيفة، مما يجعل أي رحلة إليها صعبة.
حتى إن الخبراء ليسوا متأكدين من كيفية بقاء القبائل القاطنة بالجزيرة على قيد الحياة كل تلك السنوات، خاصة بعد تسونامي عام 2004 الذي دمر ساحل خليج البنغال بأكمله.
لكن من المعلوم وفق المعلومات التي جمعها المراقبون من بعيد -وفق موقع “أول ذاتس إنترستنغ”- أن السكان يقطنون أكواخا مصنوعة من سعف النخيل ومساكن جماعية كبيرة مع مساكن عائلية مقسمة.
كذلك وفقا للسهام التي وجدت طريقها إلى أيدي الباحثين عبر طائرات الهليكوبتر التي حاولت الهبوط في الجزيرة النائية؛ فإن سكان القبيلة يصنعون رؤوس سهام معدنية لأغراض مختلفة، مثل الصيد والدفاع.
كما أنهم يبنون زوارق صغيرة وضيقة ذات أذرع ممتدة، والتي يناورونها بأعمدة طويلة في المياه الضحلة والهادئة نسبيا داخل الشعاب المرجانية للتنقل واصطياد الأسماك وسرطانات البحر.
ومن بين محاولات الاتصال بسكان الجزيرة في العام 1974 و1981 و1990 و2004 و2006 من قبل مجموعة متنوعة من فرق البحث والدراسات، بما في ذلك سفينة “ناشيونال جيوغرافيك” الشراعية التي قوبلت بسيلٍ من السهام.
جريمة قتل!
منذ العام 1996، أصبح من غير القانوني للصيادين أو السياح أو الباحثين أو غيرهم من المدنيين الاقتراب أو الهبوط في جزيرة نورث سينتينل. لكن في العام 2006، هبط اثنان من صيادي الأسماك من ميانمار هبوطا اضطراريا في الجزيرة وقتلهما سكان الجزيرة، ودُفنت جثتيهما في الرمال.
الحادث الصادم لم يكن رادعا للشاب جون ألن تشاو البالغ من العمر 26 عاما، وهو مبشر مسيحي إنجيلي ومدون مغامرات استأجر صيادين محليين لاصطحابه إلى هناك في عام 2018.
وكان تشاو جزءا من حركة دولية من المغامرين الشباب الذين يتوقون لجلب المسيحية إلى أركان العالم “التي لم يتم الوصول إليها بعد”.
وسجل تشاو رحلته التبشيرية في يوميات وجاء مستعدا للتعامل مع أي “حالات طارئة” للاتصال بالمقيمين المفترسين في الجزيرة، بما في ذلك ملقط لإزالة الأسهم ومجموعة إسعافات أولية. حتى إنه أحضر سمكة كبيرة كهدية.
وكتب تشاو في يومياته “صرخت: اسمي جون، أحبكم ويسوع يحبكم، وجاء الرد بمجموعة من السهام”، وفقا لما نشره في صحيفة “نيويوركر” (newyorker) قبل أن يختفي أثره فجأة.
وبعد الذي كتبه تشاو في مذكراته، رُصد الصياد الذي هرّب تشاو إلى الجزيرة بشكل غير قانوني، إنه رأى سكان الجزيرة يسحبون جسده إلى الشاطئ ويدفنونه. ولم تتمكن الحكومة الهندية من استعادة رفاة تشاو حتى الآن.